( لا يصدعون عنها ولا ينزفون). ثم قال تعالى: ( لا يصدعون عنها ولا ينزفون) وفيه مسائل: المسألة الأولى: ( لا يصدعون) فيه وجهان: أحدهما: لا يصيبهم منها صداع ، يقال: صدعني فلان أي أورثني الصداع. والثاني: لا ينزفون عنها ولا ينفدونها من الصدع ، والظاهر أن أصل الصداع منه ، وذلك لأن الألم الذي في الرأس يكون في أكثر الأمر بخلط وريح في أغشية الدماغ فيؤلمه ، فيكون الذي به صداع كأنه يتطرق في غشاء دماغه. تفسير قوله تعالى: لا يصدعون عنها ولا ينـزفون. [ ص: 133] المسألة الثانية: إن كان المراد نفي الصداع فكيف يحسن عنها مع أن المستعمل في السبب كلمة من ، فيقال: مرض من كذا. وفي المفارقة يقال: عن ، فيقال: برئ عن المرض. نقول: الجواب هو أن السبب الذي يثبت أمرا في شيء كأنه ينفصل عنه شيء ويثبت في مكانه فعله ، فهناك أمران ونظران إذا نظرت إلى المحل ورأيت فيه شيئا تقول: هذا من ماذا ؟ أي ابتداء وجوده من أي شيء فيقع نظرك على السبب.
والآية تدل على أن خمر الجنة لا تُسكر ولا ينقطع الشراب فالتكريم هنا أعلى من سورة الصافات. (لا فيها غول ولا هم يُنزفون) الغول إما للإفساد والإهلاك وإما اغتيال العقول، لا تهلك الجسم ولا تفسده ولا تسكره. ونفي الغول لا ينفي الصداع. وإذا كان المقصود بالغول إفساد العقول فالغول وينزفون بمعنى واحد لكن الأول يكون صفة المشروب والثانية صفة الشارب (حور عين كأنهم لؤلؤ مكنون) ذكر صنفين والوصف هنا جاء أعلى (وعندهم قاصرات الطرف عين) صفة واحدة من صفات حور الجنة (بيض مكنون). (لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاما) نفي لسماع أي لغو ولم ترد في الصافات لم يرد شيء عن نفي سماع اللغو (يطوف عليهم) بما أن يُنزفون مبنية للمعلوم ناسب أن يقال (يطوف عليهم) مبنية للمعلوم أيضاً (ينزفون) مبنية للمجهول فناسب أن يقال (يُطاف عليهم) مبنية للمجهول. ففي سورة الواقعة إذن دلّ السياق على الإكرام وزيادة والسُرر وزيادة والكأس وزيادة والعين وزيادة ونفى السُكر وزيادة ونفى اللغو وزيادة. *ما الفرق بين النفي بـ(ما) و(لا)؟(د. فاضلالسامرائى) لا النافية للجنس يقولون هي جواب لـ (هل من) يعني كأن سائلاً سألك هل من رجل في الدار؟ فتقول له لا رجلَ في الدار، هذه إجابة على سؤال (هل من؟) لما تقول هل رجلٌ في الدار؟ جوابه لا رجلٌ في الدار (لا هنا نافية) ولما تقول هل من رجلٍ في الدار؟ جوابه لا رجلَ في الدار (هذه لا النافية للجنس).
فقالت: لا، ولكن خفت أن يفتتنوا بما يرَوْا من ملكك، فيشغلهم ذلك عن طاعة الله! وفي حديث سليمان-عليه السلام- مع النملة، وحديثها مع قومها إعجاز آخر من إعجاز القرآن. فقد أثبت العلماء أن للنمل لغته الخاصة، التي يتفاهم بها، كما أثبت أن النملة المؤنثة هي التي ترعى قومها، وتتولى الدفاع عنهم، وتنبههم لأي خطر قادم، أو مفاجىء، وليس للذكر أي دور في ذلك؛ لأن مهمته مقتصرة على تلقيح الأنثى العذراء مرة واحدة في حياته، ثم يختفي. وأسرار النمل وعجائبه كثيرة، ليس هذا المقال موضع بسطها، ويكفي أن أشير إلى أن النمل -على ضعفه- مخلوق قويُّ الحسِّ، شمَّامٌ جدًّا، نشيط جدًّا، يتميز بذكاء خارق ، وقبل تخزين الحب يقوم يشق الحبة من القمح قطعتين؛ لئلا تنبت، ويشق الحبة من الكزبرة أربع قطع؛ لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت، والحب الذي لا يستطيع شقه، يقوم بنشره تحت أشعة الشمس بصفة دورية ومنظمة، حتى لا يصيبه البلل، أو الرطوبة فينبت، ويأكل في عامه بعض ما يجمع، ويدَّخر الباقي عدة أعوام، وحياته مثل حياة النحل دقيقة التنظيم، تتنوع فيها الوظائف، وتؤدى جميعها بإتقان رائع، يعجز البشر غالبًا عن إتباع مثله، على الرغم مما أوتوا من عقل راق، وإدراك عال.
ثالثاً: عدم تصديقهم لنبي من جنس آخر لا سيما إذا كان يتكلم بغير لسانهم، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله: (ولو نزلناه على بعض الأعجمين… فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين) الشعراء 198- 199. وبهذا يصدق قول النبي (ص) أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى… وأراد بالدعوة ما ذكر في آية البحث، أما بشارة عيسى (عليه السلام) فقد بينها سبحانه بقوله: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) الصف 6. الباحث القرآني. فإن قيل: قدم تعالى التعليم على التزكية في آية البحث، فيما أخره عنها في قوله: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة 2. وكذا قوله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) آل عمران 164. وقوله: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) البقرة 151. فما وجه الجمع؟ أقول: العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، وإذا سلمنا بخلاف ذلك تكون آية البحث على بابها، أما الآيات الأخرى التي ذكرتها فتحمل على قاعدة التخلية قبل التحلية، فتأمل ذلك بلطف.
(يعلمهم ويزكيهم) أم (يزكيهم ويعلمهم) العلم زكاةٌ للنفوس، يُهذِّبُها، ويلمُّ شعثها، ويُلقِي بأحسن الحُلَل وأبهاها عليها، فترقى وتسمو، والقرآن الكريم يعرِضُ لهذا المعنى بين الفَيْنة والفينة في أسلوب رشيق ولفتات مضيئة، فتجدُه يُشِيد بفلاح مَن زكى نفسه، فيقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، ويقول: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [طه: 76]. ويُقصَد بالتزكية هنا مخالفةُ أهواء النفس والترفُّع بها عن المعاصي والآثام، بينما تجدُه في آيةٍ أخرى يُنكِر على مَن يُزكِّي نفسَه، فيقول: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 49]، ويُقصَد بها هنا مدح النفس وتشريفها بغير وجه حق لرفع أنظار الناس إليها، فهذا مما يُذم ويقبح، خاصة إذا كان طريقة افتراء الكذب، وادعاء الشرف، والتشبع بما لم يعطَ. وتجده في سياق آخر حين يمنُّ على عباده بنعمة إرسال الرسل، وخاصة نعمة إتمام الرسالات، بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، حين يمنُّ علينا بذلك يقول: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151].
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾: العرب. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمِّيَّة، ليس فيها كتاب يقرءونه، فبعث الله نبيه محمدًا رحمة وهُدى يهديهم به. ⁕ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ قال: كانت هذه الأمة أمِّيَّة لا يقرءون كتابًا. ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ﴾ قال: إنما سميت أمة محمد ﷺ الأميين، لأنه لم ينزل عليهم كتابًا؛ وقال جلّ ثناؤه ﴿رَسُولا مِنْهُمْ﴾ يعني من الأميين وإنما قال منهم، لأن محمدًا ﷺ كان أمِّيًّا، وظهر من العرب. وقوله: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ يقول جلّ ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات الله التي أنزلها عليه ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يقول: ويطهرهم من دنس الكفر.
أو التقصير في الطاعة. فتارة تحسن وتارة تسيء(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ). أما الأخيرة فهي النفس الامارة بالسوء وهي التي تأمر صاحبها بالانغماس في الملذّات والشهوات، وتغريه بكلّ معصية وبعد عن الله تعالى، قال الله سبحانه: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ). ومحل التزكية هو القلب، وهو موضع الإصلاح؛ فالقلوب ثلاثة أنواع وهي القلب السليم سلم من الشرك. والقلب المريض والقلب الميت. «في حب الرسول 2».. يزكيهم ويعلمهم - بوابة الأهرام. إذ لا بد من إصلاح القلب وتطهيره من الشرك ثم من المعاصي الكبائر منها والصغائر ليصل إلى التزكية. فحقيقة التزكية، حسب الدكتور سامى، إصلاح الداخل بالتخلية من المعاصي والآثام والتحلية من مكارم الأخلاق وحسن القيم وأنبلها، وللتزكية عدة أنواع، أولاها تزكية الله للأنفس، ففي قوله تعالى: ( ألم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا) وثانيها تزكية الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد كانت تزكية النبي – عليه الصلاة والسلام – للناس بالموعظة الحسنة والإرشادات النبوية، ومن ثم يأتي تزكية العبد لنفسه ويكون ذلك بالفعل وليس في القول، فقد أمر الله تعالى بتزكية الإنسان لنفسه عن طريق الفعل ونهى عن تزكيتها بالمدح والقول.
حامد العولقي
على المرء أن يتهم نفسه بالتقصير والاسراف ويبتعد عن معاصيه وشرور نفسه، وهذا مبدأ التزكية. أما الخطوات العملية لتزكية النفس فتكون بالقوة العلمية التي تبصر الإنسان بالخير والشر. وتساعده على التمييز بينهما، والقوة العلمية تزداد باكتساب العلم. والخطوة الثانية تكون بالقوة العملية إذ هي تتمثل بالإرادة والهمة العالية وتزداد بالعبادات وأداء الفرائض والنوافل. ومن الناس من يجمع القوتين ومنهم من يفقد كليهما ومنهم من لديه احدهما. فلابد من اكتساب كليهما للوصول لتزكية النفس، إذ لا يكفي العلم بلا عمل ولا العمل بلا علم، فلا نكون كاليهود او النصارى بل نكون مسلمين حنفاء كما أراد لنا ربنا، نهتدي بهدي نبيه، ونسير على صراطه المستقيم.
وبعبارة أخرى: فإن محلَّ اهتمامِ الداعي وانشغاله ينبغي أن يكون التعليم والتبيين للناس، ولا يشغله حصول التزكية من عدمِه؛ حيث إن التزكية ليست بمقدوره ولا باستطاعته استجلابها، إنما هي بيد الله وحده، يهَبُها لمَن يشاء ويمنعها عمَّن يشاء. اسمع لقوله تعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]. وبذلك تعلم أن زكاة النفوس وطهرها إنما هو من عمل الله سبحانه وحده، أما الداعي والمربِّي، فإنما عليه أن يغرِسَ الغرس بالتعليم، وأن يرعاه حتى يثمر ثمرته المرجوَّة، وهي النفوس الزكية، لكنه لا بد أن يَعِيَ أن ذلك ليس إليه، وإنما هو إلى الله وحده، فلا يحزن ولا ييئس إن لم تثمر غراسه، ولا يتكاسل ولا يتوانَ عن الغرس، وإن لم يرَ أثر ذلك في حياته. فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَثَلُ ما بعثني الله به من الهُدى والعلم كمَثَل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقية قبِلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادبَ أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشرِبوا وسقَوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تُمسِك ماءً، ولا تنبت الكلأ، فذلك مَثَل مَن فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلِم وعلَّم، ومَثَل مَن لم يرفَع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسِلت به)) [1].