لكن سيكون عملا مستهجنا ومستغربا أن تقوم به دولة دينها الرسمي الإسلام، ودستورها وقوانينها تجرم من يعطل عبادة من العبادات ببيوت الله، كما حدث بمسجد أولاد الشيخ.
والذي يؤيد ما ذهب إليه ابن كثير وابن عاشور في سبب نزول هذه الآية، قوله سبحانه: { وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} (الأنفال:34)، وقوله أيضاً: { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام} (الفتح:25)، فهاتان الآيتان تدلان على أن الصدَّ عن المسجد الحرام إنما كان من المشركين العرب. وكون هذه الآية نزلت في مشركي العرب، لا يعني أنها لا تتناول غيرهم ممن يصدُّ عن ذكر الله، ويمنع الناس من إقامة ما أمر الله به أن يقام؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والذمُّ في الآية يتناول كل من منع مساجد الله أن يعبد الله فيها حق العبادة؛ إذ المقصد الأساس من إقامتها عبادة الله، فكل ما يعود على هذا المقصد بالإبطال والإلغاء يكون مانعاً لهذه المساجد من أداء رسالتها التي قامت لأدائها، ويكون أيضاً مخرباً لها ومعطلاً لمقصدها الأساس، وحُقَّ بمن يفعل ذلك أن يوصف بأنه من أظلم الظالمين. ويرشد لهذا العموم صيغة الجمع في قوله تعالى: { مساجد الله}، فهذه الصيغة (مساجد) تفيد أن المنع ليس محصوراً على ما حصل في المسجد الحرام، بل يشمل أيضاً كل من يمنع الناس ويصدهم عن عبادة الله في أي مسجد من مساجد الأرض، وتلك جريمة عظيمة يستحق فاعلها عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي عضو: عبدالله بن قعود.
فرتب سبحانه المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهي الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريمًا منه وهو الإثم والبغي بغير الحق، ثم ثلّث بما هو أعظم تحريمًا منها وهو الشرك به سبحانه، ثم ربّع بما هو أشد تحريمًا من ذلك كله وهو القول على الله بلا علم. وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه، ولهذا وجب على العبد أن لا يطلق لسانه بالتحريم أو التحليل إلا بما علم أن الله سبحانه أحله أو حرمه. قال بعض السلف:" ليتق أحدكم أن يقول: أحل الله كذا، وحرم كذا، فيقول الله له: كذبت، لم أحلّ كذا ولم أحرّم كذا ". قال الإمام مالك -رحمه الله-: " لم يكن الأمر فيما مضى عند سلفنا، ولا أدركت أحدًا اقتُدِي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنًا ". أيها المؤمنون: إن كثيرًا من العامة يفتي بعضهم بعضًا بما لا يعلمون، فتجدهم يقولون: هذا حلال وهذا حرام أو واجب أو غير واجب، وهم لا يعلمون عن ذلك، أو لا يعلم أولئك أن فعلهم هذا جناية وسوء أدب مع الله تعالى، فكيف يعلم العبد أن الأمر والحكم لله!! من افتى بغير على الانترنت. ثم يتقدم بين يدي الله بما لا علم له به، فيقول في دين الله بلا علم.
وقال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا). في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: مرفوعا «من أفتى فتيا بغير علم كان اثم ذلك على الذي أفتاه». قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما أبردها على الكبد ما أبردها على الكبد فقيل له وما ذاك؟ قال: ان تقول للشيء لا تعلمه: الله أعلم». قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: «يأيها الناس من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم ان يقول لما لا يعلم الله أعلم». وعن عقبة بن مسلم قال: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا فكثيرا ما كان يُسأل فيقول: «لا أدري» ثم يلتفت الي فيقول: «تدري ما يريد هؤلاء؟ يريدون ان يجعلوا ظهورنا جسرا لهم الى جهنم». وقال الإمام مالك: «ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول: لا أدري، فإنه عسى ان يهيأ له خير». من افتى بغير علم. وعن زيد بن حباب قال: رأيت سفيان اذا سئل عن المسائل قال: «لا أدري، حتى يظن من رأى سفيان ولا يعرفه انه لا يحسن من العلم شيئا». وقال القعنبي: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت له: يا أبا عبدالله، ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب، ومالي لا أبكي؟ ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت اني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطا، وقد كانت لي السعة فيما قد سُبقت اليه».