وقال أبو الدرداء: يا أهل دمشق اسمعوا قول أخ لكم ناصح ما لي أراكم تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون و تأملون ما لا تدركون وأن من كان قبلكم جمعوا كثيرا وبنوا شديدا وأملوا طويلا فأصبح جمعهم بورا ومساكنهم وما لهم غرورا. شعب الإيمان (7/ 398) ولما دخل أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه مدينة دمشق ورأى ما فيها من النعمة والترف بالنسبة إلى ما كان يراه في المدينة قال: يا أهل دمشق، ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون؟! إن الأمم قبلكم قد بنوا فشادوا، وجمعوا فأوعوا، وإنه قد بلغنا عن عاد أنهم بنوا لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، فمن منكم يشتري تركة آل عاد بدرهمين؟] الجواب لا أحد، لأنه غير موجود. والحضارة الفرعونية إلى الآن، لم يصل العلم الحديث إلى كثير مما كانوا يتعاملون به مع التقنية واستخدام العلم، مثل تحنيط الموتى، ومثل تفريغ الهواء. خلق الانسان من عجل. فإلى الآن يعجب العلم الحديث كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهم الآن قد ذهبوا، وقد كانوا يستعجلون العذاب! كما أن الكفار في كل زمان ومكان يستعجلون العذاب، ويرون أنه تأخر.
فالذين يَعجلون أمرَ الله، فيستبطئون وعدَه ونصرَه وفتحَه، لابد وأن تقسى قلوبُهم وذلك من بعدِ أن طالَ عليهم الأمدُ انتظاراً لمجيءِ هذا الأمر. وهؤلاءِ الذين هذا هو حالُهم مع اللهِ تعالى لابد وأن يجعلَ اللهُ قلوبَهم قاسيةً أما وقد زاغت فكان حقاً على اللهِ أن يَزيغَها: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) (من 74 البقرة)، (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (5 الصف). خلق الانسان من عزل اسطح. وهؤلاء الذين غلبت عليهم شِقوتُهم، فجعلتهم يؤثرون العجلةَ على الصبر، هم الذين "طالَ عليهم الأمدُ" و"طالَ عليهم العهدُ": (فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (86 طه). 2- وقلةٌ قليلةٌ من بَني آدم يُؤثِرون حُسنَ الظنِّ بالله ويُسيؤونَ الظنَّ بأنفسِهم.
ومن ذلك ما ذكره الله في آيٍ كثيرة أن الرسل عليهم السلام عندما يدعون أقوامهم إلى الله وتوحيده يخوفونهم من عذاب الله، وينذرونهم عاقبة المعاصي، والظلم، ،، فإن الجواب عند كثير من الأمم هو استعجال العذاب كما يقول الله تبارك وتعالي: 'وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47]. تفسير خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون [ الأنبياء: 37]. انظر حلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وسننه! يستعجلون أن تحل بهم العقوبة، ولهذا جاء الرد عليهم في آيٍ كثيرة، قال الله تبارك وتعالى: أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:204-207]. يستعجلون بالعذاب اليوم، لو فكروا كم سيعيشون، أرأيت إن أمهلهم الله وجعلهم يتقلبون في البلاد؟! قال الله تعالى: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ [الشعراء:205] ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ الشعراء:206-207.