فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم. (2) ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى مع معقل بن سنان. وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) قال نعيم بن مسعود قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه نبي"(3) الوفاة: سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم. وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة. (4) المصادر: 1- الطبقات الكبرى [ جزء 2 - صفحة 59] 2- تاريخ الإسلام [ جزء 1 - صفحة 241] 3- كنز العمال [ جزء 14 - صفحة 221] 4- الاستيعاب [ جزء 1 - صفحة 476]
هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء. ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله (صلى الله عليه وسلم) بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته. قصة إسلامه: خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم بن مسعود وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال: نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله، وأن ما جئت به الحق. وكان نعيم (رضي الله عنه) يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق، فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.
قصة ذكاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه دور نعيم بن مسعود الأشجعي بين الأحزاب وبنو قريظة قصة الذكي نعيم بن مسعود رضي الله عنه: لقد انتهت قصة الأحزاب وبنو قريظة في التعبير القرآني، وجاء وقت بيانها فالقصة كان لها بطولات متعددة وكان هناك بعض الأشخاص الذين أظهروا بطولاتهم وكل واحد كان له دور مختلف عن الآخر. إن اليهود كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يقولون: سيأتي علينا زمان فيه نبيّ نتبعه ونقتلكم به كقتل عاد وإرم، ولكن غيروا ما قالوا وصار يقولون: بأن الكفار هم أهدى من المؤمنين سبيلًا، لذلك كشفهم الله تعالى جميعهم حينما قال: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا" النساء:51. وقد حدث في المعركة بطولات جعلها الله تعالى سببًا لانتصار المؤمنين وهزيمة المشركين، وكان الانتصار لأول شخص وهو ليس من العرب وهو سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي أمضى حياته في البحث عن حقيقة الدين الإسلامي لحين التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام وآمن به واتبعه والبطل الثاني لنعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه.
وقد قيل في تأويل الآية غَيْرُ ذلك. )) الاستيعاب في معرفة الأصحاب. ((قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثنا عبد الله بن عاصم الأَشْجَعِيّ، عن أبيه، قال: قال نعيم بن مسعود: كنتُ أقدم على كعب بن أسد ببني قُرَيْظة فأقيم عندهم الأيّام أشرب من شرابهم وآكل من طعامهم ثمّ يحمِّلونني تمرًا على ركابي ما كانت، فأرجع به إلى أهلي، فلمّا سارت الأحزابُ إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، سرتُ مع قومي وأنا على ديني ذلك. وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بي عارفًا، فقذف الله في قلبي الإسلام فكتمتُ ذلك قومي وأخرجُ حتى آتي رسولَ [[الله]] صَلَّى الله عليه وسلم، بين المغرب والعشاء فأجده يصلّي، فلمّا رآني جلس ثمّ قال: "ما جاء بك يا نُعيم؟ " قلتُ: إني جئت أُصَدِّقُك وأشهد أنّ ما جئتَ به حقّ، فمُرْني بما شئتَ يا رسول الله، قال: "ما استطعتَ أن تُخذِّلَ عنّا الناسَ فخَذِّلْ! " قال قلتُ: أَفْعَل ولكن يا رسول الله أنّى أقول؟ قال: "قُلْ ما بدا لك فأنت في حلّ". قال فذهبتُ إلى بني قُرَيْظة فقلتُ: اكتموا عني اكتموا عني، قالوا: نفعل، فقلتُ: إنّ قريشًا وغطفان على الانصراف عن محمد، عليه السلام، إن أصابوا فُرْصَةً انتهزوها وإلاّ استمرّوا إلى بلادهم، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنًا، قالوا: أشرتَ بالرأي علينا والنُّصْح لنا.
قالوا: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد, وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا, فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجلاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم, ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنًا منكم من رجالكم فلا تفعلوا. ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني. قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم, قال: فاكتموا عني. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال, وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان, فقالوا: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد. فأرسلوا إليهم: أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا, وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثًا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدًا حتى تعطونا رهنًا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدًا, فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
كان نُعَيمُ بنَ مسعود في تلك الليلةِ يَتَقلَّبُ على مِهادِه (فراشه) أرِقاً كأنما سُمِّرَ ( ثُبِّت بالمسامير) جَفناه ما يَنطبِقان لنومٍ، فجعل يَسْرَح ببصره وراءَ النجومِ السابحةِ على صفحة السماءِ الصافيةِ، ويطيلُ التفكير، وفجأةً وَجدَ نَفسَه تُسائِلُه قائلةً: وَيحَكَ يا نُعَيمُ!! ما الذي جاءَ بك من تلك الأماكنِ البعيدة في نجد لحربِ هذا الرجل ومن معه؟! إنَّك لا تُحاِربُهُ انتصاراً لِحقٍّ مسلوبٍ أو حَميَّةً لِعرضٍ مغصُوبٍ، وإنما جئتَ تحارِبهُ لغيرِ سببٍ معروفٍ، أيليقُ برجلٍ له عقلٌ مثلُ عقلك أن يقاتلَ فيَقتُل أو يُقتَل لِغيرِ سببٍ؟! وَيحَكَ يا نُعَيمُ.. ما الذي يجعلك تُشهِرُ سيفَك في وجه هذا الرجلِ الصالح الذي يأمر أتباعه بالعدل والإحسانِ وإيتاِء ذي القُربى ؟! وما الذي يَحملُك على أُنْ تغمِسَ رُمحك في دماءِ أصحابِه الذين اتَّبعُوا ما جاءهُم بهِ من الهُدى والحَقِّ ؟! ولم يَحْسِمْ هذا الحوارَ العنيفَ بَينَ نُعيمٍ ونفسِه إلا القرارُ الحازِمُ الذي نَهَضَ من تَوِّه لتنفيذِه. – تَسَلَّلَ نُعيمُ بن مسعود من مُعسكرِ قومه تحتَ جُنحِ الظلامِ ومضى يَحُثُّ الخُطا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.. فلما رآه النبيُّ عليه الصلاةُ والسلام ماثِلاً بينَ يَديه قال: ( نُعيمُ بنُ مسعودٍ؟!