(7) وخبرُ موسى كان خبرًا عن معروف عنده وعند السحرة، وذلك أنها كانت نسبت ما جاءهم به موسى من الآيات التي جعلها الله عَلَمًا له على صدقه ونبوته ، إلى أنه سحرٌ، فقال لهم موسى: السحرُ الذي وصفتم به ما جئتكم به من الآيات أيها السحرة، هو الذي جئتم به أنتم ، لا ما جئتكم به أنا. ثم أخبرهم أن الله سيبطله. فقال: (إن الله سيبطله) ، يقول: سيذهب به، فذهب به تعالى ذكره ، بأن سلط عليه عصا موسى قد حوّلها ثعبانًا يتلقَّفه ، حتى لم يبق منه شيء ، (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) ، يعني: أنه لا يصلح عمل من سعى في أرض الله بما يكرهه ، وعمل فيها بمعاصيه. (8) * * * وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: (مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ). * * * وفي قراءة ابن مسعود: (مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْرٌ) ، (9) وذلك مما يؤيد قراءة من قرأ بنحو الذي اخترنا من القراءة فيه. تفسير سورة يونس الآية 81 تفسير الطبري - القران للجميع. ----------------------- الهوامش: (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 475 ، وفيه تفصيل مفيد. (3) في المخطوطة: " ما جاؤوا به من ذلك الحق الذي أتاه " ، وأرجح أن ناسخ المخطوطة قد أسقط شيئًا من الكلام ، ولكن ما في المطبوعة يؤدي عن معناه ، وذلك بزيادة الباء في " بالحق " ، وإن كانت الجملة عندي ضعيفة.
ولكن الكثيرين من الناس لا يريدون أن يفكروا من موقعٍ عقليٍّ موضوعيٍ {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} من غير قاعدة للتكذيب، بل كانت القضية مزاجاً وشهوة وتمرّداً على أساس الذاتية التي تحدد مواقفها من خلال انفعالاتها {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ} فنختم على عقولهم بسبب ما اختاروه لأنفسهم من العدوان على الرسل والرسالات، بعد أن أغلقوا قلوبهم عن كل كلمات الحق وجمّدوا مشاعرهم عن الاستجابة لنداء الله، فكانت النتيجة هي ابتعاد العقول عن الإيمان، وذلك من خلال ما ربط به الله الأمور في قانون السببيّة الذي يتصل فيه المسبب بالسبب.
ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ، {فَلَمَّا أَلْقَوْا} يقصد بها حبالهم وعصيهم، فإذا هي كأنها حيات تسعى، فـ {قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} أي: هذا أن هذا اللى فعلتموه هو سحر حقيقي وهو مذهل وعظيم، ولكن مع عظمته {إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} فإنهم كانوا يقصدون بذلك، نصر الباطل على الحق، وأن ينتصروا على سيدنا موسى عليه السلام. لذلك فإن كل من أراد المكر والإحتيال والخداع، فالتأكيد إن عمله سيبطل ويتلاشى مهما عظم، أما المصلحون الذين كانوا يعملون الخير ابتغاءاً لوجه الله ورضاه فإن الله يوفقهم ويرزقهم ويحسن أعمالهم في الدنيا والآخرة، فعندما ألقى موسى عصاه، فإذا هي تلقف جميع ما صنعوا، فبطل السحر الذي صنعوه، واضمحل باطلهم. الإجابة هي/ نعم، فرعون وقومه أبطل الله سحرهم.
(4) في المطبوعة: " بجده " بالجيم ، والصواب بالحاء. و " الحد " الشدة والبأس والسطوة. (5) هكذا في المخطوطة " لا يكادون أن يقولوا " ، وبعد " يقولوا " حرف " ط " دلالة على الخطأ ، وليس خطأ. وقد عقد ابن هشام في شواهد التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح: 98 - 102 ، فصلا جيدًا في وقوع خبر " كاد " مقرونا به " أن " ، وذكر شواهده في الحديث وفي الشعر ، واحتج لذلك أحسن الاحتجاج. (6) في المطبوعة والمخطوطة أسقط " واللام ". (7) انظر معاني القرآن للفراء 1: 475. (8) انظر تفسير " الإفساد " فيما سلف من فهارس اللغة ( فسد). (9) انظر هاتين القراءتين في معاني القرآن للفراء 1: 475.
ولأن المشركين كانوا محاولين من النبيء أن يعبد آلهتهم ، فكان في مقام الإنكار بأبلغ الرد عليهم ، وموسى كان محاولا فرعون وملأه أن يؤمنوا ، فكان في مقام الترغيب باللين.
وهي استعارة رشيقة; لأن ذلك التعلق يشبه الكلام في أنه ينشأ عنه إدراك معنى ويدل على إرادة المتكلم ، وعلى علمه. وجملة ولو كره المجرمون في موضع الحال ، ولو وصلية ، وهي تقتضي أن الحالة التي بعدها غاية فيما يظن فيه تخلف حكم ما قبلها ، كما تقدم عند قوله - تعالى: ولو افتدى به في سورة آل عمران ، فيكون غير ذلك من الأحوال أجدر وأولى بتحقيق الحكم السابق معه. وإنما كانت كراهية المجرمين إحقاق الحق غاية لما يظن فيه تخلف الإحقاق لأن تلك الكراهية من شأنها أن تبعثهم على [ ص: 258] معارضة الحق الذي يسوءهم ومحاولة دحضه وهم جماعة أقوياء يصعب عليهم الصعب فأعلمهم أن الله خاذلهم. وأراد بالمجرمين فرعون وملأه فعدل عن ضمير الخطاب إلى الاسم الظاهر لما فيه من وصفهم بالإجرام تعريضا بهم. وإنما لم يخاطبهم بصفة الإجرام بأن يقول: وإن كرهتم أيها المجرمون عدولا عن مواجهتهم بالذم ، وقوفا عند أمر الله - تعالى - إذ قال له فقولا له قولا لينا فأتى بالقضية في صورة قضية كلية وهو يريد أنهم من جزئياتها بدون تصريح بذلك. وهذا بخلاف مقام النبيء محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ قال الله له قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون لأن ذلك كان بعد تكرير دعوتهم ، وموسى - عليه السلام - كان في ابتداء الدعوة.
ردّ فرعــون وفكَّر فرعون أن يهزم موسى بالسحر، لأن للسحر تأثيره الكبير على الناس، وظنّ أن موسى لا يستطيع مواجهة هذا التحدي، فسينهار أمام الرعب الهائل الذي يثيره السحر في روحه، فيفقد قوّته الروحيّة أمامه، وتنهزم قاعدته المعنوية في نفوس الشعب. وهكذا نادى قومه: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ* فَلَمَّا جَآءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَى أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ} في موقفٍ يوحي لهم بالاستهانة بهم، في ما يحاول أن يثيره من الشعور الخفي في داخلهم بقوّة موقفه وباطمئنانه إلى النتيجة الحاسمة لصالحه في نهاية المطاف، ليهزم موقفهم بذلك. إبطال عمل السحرة {فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ} لأنه لا يمثل الحقيقة، بل يمثل الوجه الخادع للأشياء الذي لا ينفذ إلى عمق الواقع، بل يظل صباغاً باهتاً على السطح، وسيزول في أول صدمة.