ويطلق الإسلام على السلامة، يعني: أن يسلم الناس من شر الإنسان، فيقال: أسلم، بمعنى دخل في السلم أي: المسالمة للناس، بحيث لا يؤذي الناس، ومنه هذا الحديث: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". سلم المسلمون من لسانه فلا يسبهم، ولا يلعنهم، ولا يغتابهم، ولا ينم بينهم، ولا يسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفساد، فهو قد كفّ لسانه، وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان، وهو من الأمور التي تصعب على المرء وربما يستسهل إطلاق لسانه. ولهذا قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل: « أفلا أخبرك بملاك ذلك كله؟ » قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: « كفّ عليك هذا » قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، يعني: هل نؤاخذ بالكلام؟ فقال: « ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد السنتهم ». الأول: فاللسان من أشد الجوارح خطرًا على الإنسان، ولهذا إذا أصبح الإنسان فإن الجوارح: اليدين والرجلين والعينين، كل الجوارح تكفر اللسان، وكذلك أيضًا الفرج، لأن الفرج فيه شهوة النكاح، واللسان فيه شهوة الكلام، وقل من سلم من هاتين الشهوتين. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه أي: كف عنهم؛ لا يذكرهم إلا بخير، ولا يسب، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يحرش بين الناس، فهو رجلٌ مسالم، إذا سمع السوء حفظ لسانه، وليس كما يفعل بعض الناس-والعياذ بالله- إذا سمع السوء في أخيه المسلم طار به فرحًا، وطار به في البلاد نشرًا -والعياذ بالله- فإن هذا ليس بمسلم.
إخوة الإسلام إن المسلم الحقيقي هو الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وأماراته، وهو الذي يكف أذى لسانه ويده عن المسلمين، فلا يصل إلى المسلمين منه إلا الخير والمعروف. وفي واقع المسلمين اليوم قد تجد الرجل محافظاً على أداء الصلاة في وقتها، وقد تجده يؤدى حق الله في ماله فيدفع الزكاة المفروضة، وقد يزيد عليها معواناً للناس يسعى في قضاء حوائجهم، وقد تجده من حجاج بيت الله الحرام ومن عُمّارة، ولكن مع هذا الخير كله قد تجده لا يحكم لسانه ولا يملك زمامه، فينفلت منه لسانه فيقع في أعراض الناس ويمزق لحومهم!! فلا يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ »رواه الترمذي وغيره ،وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصلاح لا يملك لسانه عن الغيبة والنميمة، ولا يملكه عن شهادة الزور وقول الزور، وقد لا يكلف لسانه عن همز الناس ولمزهم، فيجره لسانه ويوقعه في كثير من الأخطاء والبلايا، فمثل هذا النوع من الناس قد فقد صفة من أبرز وأهم صفات المسلم الحقيقي. وهناك نوع آخر من المسلمين يختلف عن النوع السابق فقد تجده يحكم لسانه ويقل به الكلام، ولكنه يؤذى المسلمين بيده، فيضرب بيده أبدان المسلمين، اعتدى على أموالهم فيسرقهم، أو يسلبهم حقوقهم أو يظلمهم فهذا أيضاً قد فقد إمارة من الإمارات الظاهرة التي تدل على كمال إسلام المرء وعلى صدق إيمانه.
أيها المسلمون واجب أن يَسْلَم كل مسلم من المسلم الآخر في اللسان واليد والاعتداء على العرض أو على المال أو على ما يختص به أخوه المسلم.