وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لو لبثتُ في السِّجن ما لبث يوسف لأجبت الدَّاعي » (صحيح البخاري). قال القاسمي: (مدحه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على هذه الأناة، كان في طي هذه المدحة بالأناة والتَّثبُّت تنزيهه وتبرئته ممَّا لعلَّه يسبق إلى الوهم أنَّه همَّ بامرأة العزيز همًّا يؤاخذ به، لأنَّه إذا صبر وتثبَّت فيما له ألَّا يصبر فيه، وهو الخروج مِن السِّجن، مع أن الدَّواعي متوافرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه مِن الهمِّ، أولى وأجدر). وعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال: « إنِّي ذاكر لك أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك » (صحيح البخاري). قال ابن حجر: قوله: « فلا عليك أن لا تعجلي ». شرح حديث إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة. أي: فلا بأس عليك في التَّأنِّي ، وعدم العَجَلَة حتى تشاوري أبويك). وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة » (صححه الألباني). قال القاري: ( التُّؤدة: بضمِّ التَّاء وفتح الهمزة، أي: التَّأنِّي ، « في كلِّ شيء » أي: مِن الأعمال.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذه الآيات الكريمات والحديثان الشّريفان وما جاء في معناهما كلُّ ذلك يدل على شرعية الرِّفق والحلم والأناة وعدم العجلة في الأمور، فينبغي للمؤمن أن يكون حليمًا، صفوحًا، عفوًّا، كريمًا، رفيقًا في أموره كلها، وتقدّمت في هذا أحاديث كثيرة. قال الله جلَّ وعلا في وصف المتَّقين: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ، وقال جلَّ وعلا: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ، وقال جلَّ وعلا: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ. خصلتان يحبهما الله - موقع مقالات إسلام ويب. فالمؤمن مشروعٌ له الرفق والصبر والحلم والتّحمل؛ لأنه بهذا تجتمع القلوبُ ويحصل التّعاون، أما مع الشدة والغِلظة وعدم الحلم يحصل التنافر. يقول النبيُّ ﷺ لأشجِّ عبد القيس: إنَّ فيك خصلتين يُحبّهما الله: الحلم، والأناة ، فهذا مما يحبّه الله، فهذا خلقٌ طيبٌ: الحلم والأناة، لكن لا بد من الأخلاق الأخرى والصِّفات الأخرى، لكن هاتين الخصلتين محبوبتان إلى الله، فإذا كانتا في مؤمنٍ فذلك نورٌ على نورٍ، وإذا كانتا في فاجرٍ فهما خصلتان في فاجرٍ، الحلم وعدم العجلة بالغضب، والأناة في الأمور، والرفق وعدم العجلة.
وفَّق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وحسن الأخلاق والآداب. المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 576- 578)
المحسوسات للمعاني تميزت لغة العرب في استعمالاتها بأنها تضع للمعاني من الألفاظ ما هو للمحسوسات، ولذلك فوائد، منها التصوير، ومن ذلك مثلاً الفعل عفا، فإنه شاع استعماله في الغفران عن الذنب، وهو مأخوذ من قولهم: عفا الأثر، بمعنى الإزالة، إذ كانوا في الصحراء يسيرون فتظهر آثار أقدامهم على الرمال، ثم تأتي الرياح فتذهب آثار المسير، لذا فإن العفو يشتمل على صورة تتمثل في إزالة آثار الذنب كما تزيل الرياح آثار المسير. كما أن هذا الأسلوب، يعطي الحكم ومعه دليله، وهذا من البراعة التي تميز العربية، كتعبيرهم عن النجاح بالفلاح، فالفلْح هو شق الأرض للزراعة، وعندما تشق الأرض ويبذر فيها البذر تأتي بالنتيجة المرجوة وهي الثمر، فعندما يذكر الفلاح فإن دليله يأتي معه، فكأنه يقال: النجاح لا بد له من مقدمات تسبقه وجهود تبذل حتى يأتي بالنتيجة، كالأرض لا تأتي بالثمار إلا بالفلح.
والصراط له عدة سمات ذكرها صاحب بدائع الفوائد بقوله: «والصراط ما جمع خمسة أوصاف: أن يكون طريقاً مستقيماً، سهلاً، مسلوكاً، واسعاً، موصلاً إلى المقصود، فلا تسمي العرب الطريق المعوج صراطاً، ولا الصعب المشق، ولا المسدود غير الموصل، ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم واستعمالهم تبين له ذلك». الصراط.. الطريق السهل. والطريق مأخوذ من السبيل التي تطرق بالأرجل، ثم استعير لكل مسلك يسلكه الإنسان، وهو لا يقتضي السهولة، وأما السبيل فإنه يقتضي السهولة، لذلك فإنه وقع بضعاً وخمسين مرة في القرآن مراداً به سبيل الله الذي يفضي إلى الخير. فالطريق في القرآن هو طريق جهنم (إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً) النساء: 168-169. ولم يرد الطريق مراداً به الصراط المستقيم إلا في سورة الأحقاف، عند ذكر الجن الذين استمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، فإنه عبّر عن سبيل الله بالطريق في هذا الموضع فقط.
الغاية العظيمة والقيمة العليا الذي يسعى إليها السائر ونسميها (المراد). الطريق التي توصل المريد إلى المراد وهو صراط الله المستقيم.