ودلالة كلمة ( عَلِم الله) فعل ماض وهو يفيد حسب السياق وتعلقه بالواقع دلالة العلم بما حصل أو ما سوف يحصل وذلك بناء على علم بطبيعة الشيء وحركته وقدراته وظروفه ، فالإنسان كائن محدود القدرات الجسمية والنفسية والعقلية ومنطقياً انه محتاج ويتعب ويمرض.
وقوله: ﴿تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه﴾ أدنى اسم تفضيل من الدنو بمعنى القرب، وقد جرى العرف على استعمال أدنى فيما يقرب من الشيء وهو أقل فيقال: إن عدتهم أدنى من عشرة إذا كانوا تسعة مثلا دون ما لو كانوا أحد عشر فمعنى قوله: ﴿أدنى من ثلثي الليل﴾ أقرب من ثلثيه وأقل بقليل. والواو العاطفة في قوله: ﴿ونصفه وثلثه﴾ لمطلق الجمع والمراد أنه يعلم أنك تقوم في بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل وفي بعضها نصفه وفي بعضها ثلثه. ما نوع أنْ لقوله تعالى علم أنْ سيكون منكم مرضى - ضوء التميز. وقوله: ﴿وطائفة من الذين معك﴾ المراد المعية في الإيمان و ﴿من﴾ للتبعيض فالآية تدل على أن بعضهم كان يقوم الليل كما كان يقومه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقيل ﴿من﴾ بيانية، وهو كما ترى. وقوله: ﴿والله يقدر الليل والنهار﴾ في مقام التعليل لقوله: ﴿إن ربك يعلم﴾ والمعنى وكيف لا يعلم وهو الله الذي إليه الخلق والتقدير ففي تعيين قدر الليل والنهار تعيين ثلثهما ونصفهما وثلثيهما، ونسبة تقدير الليل والنهار إلى اسم الجلالة دون اسم الرب وغيره لأن التقدير من شئون الخلق والخلق إلى الله الذي إليه ينتهي كل شيء. وقوله: ﴿علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن﴾ الإحصاء تحصيل مقدار الشيء وعدده والإحاطة به، وضمير ﴿لن تحصوه﴾ للتقدير أو للقيام مقدار ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وإحصاء ذلك مع اختلاف الليالي طولا وقصرا في أيام السنة مما لا يتيسر لعامة المكلفين ويشتد عسرا لمن نام أول الليل وأراد القيام بأحد المقادير الثلاثة دون أن يحتاط بقيام جميع الليل أو ما في حكمه.
[ ص: 166] قوله تعالى: ( وأقرضوا الله قرضا حسنا) فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يريد سائر الصدقات. وثانيها: يريد أداء الزكاة على أحسن وجه ، وهو إخراجها من أطيب الأموال وأكثرها نفعا للفقراء ، ومراعاة النية ، وابتغاء وجه الله ، والصرف إلى المستحق. وثالثها: يريد كل شيء يفعل من الخير مما يتعلق بالنفس والمال.
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال: { { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}} أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى. { { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ}} أي: [لن] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي: فخفف عنكم، وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص، { { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}} أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم، ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا، فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: { { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى}} يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، فليصل المريض المتسهل عليه ، ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها [وله أجر ما كان يعمل صحيحا]. موقع هدى القرآن الإلكتروني. { { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}} أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق، ويتكففوا عن الناس أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد، وقصر الصلاة الرباعية.
( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا) ثم إنه تعالى ذكر الحكمة في هذا النسخ فقال تعالى: ( علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة). واعلم أن تقدير هذه الآية كأنه قيل: لم نسخ الله ذلك ؟ فقال: لأنه علم كذا وكذا ، والمعنى لتعذر القيام على المرضى والضاربين في الأرض للتجارة والمجاهدين في سبيل الله ، أما المرضى فإنهم لا يمكنهم الاشتغال بالتهجد لمرضهم ، وأما المسافرون والمجاهدون فهم مشتغلون في النهار بالأعمال الشاقة ، فلو لم يناموا في الليل لتوالت أسباب المشقة عليهم ، وهذا السبب ما كان موجودا في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: ( إن لك في النهار سبحا طويلا) فلا جرم ما صار وجوب التهجد منسوخا في حقه. ومن لطائف هذه الآية أنه تعالى سوى بين المجاهدين والمسافرين للكسب الحلال ، وعن ابن مسعود: " أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء " ، ثم أعاد مرة أخرى قوله: ( فاقرءوا ما تيسر منه) وذلك للتأكيد ثم قال: ( وأقيموا الصلاة) يعني المفروضة ( وآتوا الزكاة) أي الواجبة ، وقيل: زكاة الفطر لأنه لم يكن بمكة زكاة وإنما وجبت بعد ذلك ، ومن فسرها بالزكاة الواجبة جعل آخر السورة مدنيا.
{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً}{نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً}{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} ( المزمل 1-4) فعل ( قم الليل) لا يعني أن ذلك للصلاة الشعائرية ، وإنما لفعل ترتيل القرءان ، والترتيل لا يعني التلاوة وإنما يعني الترتيب والتقليم والترادف للنصوص ذات الموضوع الواحد وتصنيفها حسب المحكم والمتشابه والاستعانة بالواقع لترتيبها أولوياً ومن ثم دراستها دراسة موضوعية من خلال رؤية عامة لها وفق المنظومة التي تنتمي إليها وإسقاطها على محل تعلقها من الواقع للوصول إلى العلم واكتشاف السنن التي تحكم سيرورة وصيرورة الشيء لتسخيره.
آخر تفسير سورة الغاشية، والحمد لله رب العالمين
7 MB 029_ سورة العنكبوت 22. 6 MB 030_ سورة الروم 20. 6 MB 031_ سورة لقمان 15. 6 MB 032_ سورة السجدة 9. 6 MB 033_ سورة الأحزاب 35. 6 MB 034_ سورة سبأ 23. 5 MB 035_ سورة فاطر 20. 2 MB 036_ سورة يس 18. 1 MB 037_ سورة الصافات 21. 0 MB 038_ سورة ص 19. 1 MB 039_ سورة الزمر 040_ سورة غافر 30. 7 MB 041_ سورة فصلت 042_ سورة الشورى 23. 6 MB 043_ سورة الزخرف 19. 3 MB 044_ سورة الدخان 8. 5 MB 045_ سورة الجاثية 9. 4 MB 046_ سورة الأحقاف 13. 3 MB 047_ سورة محمد 14. 9 MB 048_ سورة الفتح 12. 0 MB 049_ سورة الحجرات 9. كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **|نداء الإيمان. 5 MB 050_ سورة ق 10. 5 MB 051_ سورة الذاريات 11. 2 MB 052_ سورة الطور 9. 9 MB 053_ سورة النجم 11. 3 MB 054_ سورة القمر 055_ سورة الرحمن 9. 1 MB 056_ سورة الواقعة 11. 1 MB 057_ سورة الحديد 13. 4 MB 058_ سورة المجادلة 059_ سورة الحشر 060_ سورة الممتحنة 8. 9 MB 061_ سورة الصف 6. 1 MB 062_ سورة الجمعة 4. 3 MB 063_ سورة المنافقون 4. 5 MB 064_ سورة التغابن 7. 4 MB 065_ سورة الطلاق 6. 8 MB 066_ سورة التحريم 6. 6 MB 067_ سورة الملك 7. 7 MB 068_ سورة القلم 7. 6 MB 069_ سورة الحاقة 6. 7 MB 070_ سورة المعارج 6.
1 KB 114_ سورة الناس 887. 1 KB يمكنك الحصول على الرابط المختصر بالضغط على أيقونة تويتر
وقوله: ( تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) أي: شديدًا حرها، تحيط بهم من كل مكان، ( تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أي: حارة شديدة الحرارة وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ فهذا شرابهم. وأما طعامهم فـ ( لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية. تفسير سورة الحاقة تفسير السعدي. وأما أهل الخير، فوجوههم يوم القيامة ( نَاعِمَةٌ) أي: قد جرت عليهم نضرة النعيم، فنضرت أبدانهم، واستنارت وجوههم، وسروا غاية السرور. ( لِسَعْيِهَا) الذي قدمته في الدنيا من الأعمال الصالحة، والإحسان إلى عباد الله، ( رَاضِيَةٌ) إذ وجدت ثوابه مدخرًا مضاعفًا، فحمدت عقباه، وحصل لها كل ما تتمناه، وذلك أنها ( فِي جَنَّةٍ) جامعة لأنواع النعيم كلها، ( عَالِيَةٍ) في محلها ومنازلها، فمحلها في أعلى عليين، ومنازلها مساكن عالية، لها غرف ومن فوق الغرف غرف مبنية يشرفون منها على ما أعد الله لهم من الكرامة.
فإذا نفخ الملك في " القرن " نفخة واحدة, وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم, ورفعت الأرض والجبال عن أماكنها فكسرتا, ودقتا دقة واحدة. ففي ذلك الحين قامت القيامة, وانصدعت السماء, فهي يؤمئذ ضعيفة مسترخية, لا تماسك فيها ولا صلابة, والملائكة على جوانبها وأطرافها, ويحمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام. في ذلك اليوم تعرضون على الله- أيها الناس- الحساب والجزاء, لا يخفى عليه شيء من أسراركم. سورة التحريم - تفسير السعدي - طريق الإسلام. فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه, فيقول ابتهاجا وسرورا: خذوا اقرؤا كتابي, إني أيقنت في الدنيا بأني سألقى جزائي يوم القيامة, فأعددت له العدة من الإيمان والعمل الصالح, فهو في عيشة هنيئة مرضية, في جنة مرتفعة المكان والدرجات, ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع. يقال لهم: كلوا أكلا, واشربوا شربا بعيدا عن كل أذى, سالمين من كل مكروه بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية. فأما من أعطي كتاب أعماله بشماله, فيقول نادما متحسرا: يا ليتي لم أعط كتابي, ولم أعلم ما جزائي؟ يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاطعة لأمري, ولم أبعث بعدها, ما نفعني مالي الذي جمعته في الدنيا, ذهبت عني حجتي, ولم يعد لي حجة أحتج بها.
الْحَاقَّةُ (1) { الْحَاقَّةُ} من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: { الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما، [ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل]