وتأمل في فجائية المؤاخذة ؛ حيث تترس القوم وتحصنوا ، وظنوا أنهم لا قِبل لأحد بهم ، ولا أن حصونهم مستَطَاعة ؛ فإذا ببنيانهم ينهار ، وإذا بأسقف غرورهم تتهدم أمام قدرة الله – جل جلاله – ؛ إذ مع الحيطة والحذر وشدة اليقظة والاحتساب – وهو المبالغة في الحسبان – أن قواهم فوق كل القوى ، وأن عتادهم يملأ الأركان ، فلا مدخل لعقوبة إليهم ، ولا مجال لقرب نازلة منهم – كما زعموا –. ولكن قد تهاوت أحلام يقظتهم هذه مع أول فجأة ، وعقوبة ممن لا يعصمهم منه عاصم ، ولا يحفظهم منه مَن بيده ملكوت كل شيء وهو يُجير ولا يُجار عليه!. ومع هذا الظن الكاذب – وهو أنهم في عصمة و مأمن من أي إغارة وشر – والذي ملأ قلوبهم غرورا وكبرا ، عاقبهم الله من جنس عملهم ، فملأ قلوبهم رعبا ورهبة. اسأل الله لك التوفيق والسداد. » واستعمال ( القذف) هنا له دلالة بلاغية راقية ، إذ القذف: هو الرمي بشدة ؛ فالمعنى المحوري لهذه الكلمة هو الدفع بغلظة وقوة إلى مسافة بعيدة. فالرعب قد استوعب قلوبهم ، وغار بداخلها إلى أن وصل إلى أعماقها ، فليس خوفا ورعبا سطحيا ، بل متوغل في القلب يصعب خروجه ؛ ولعلك تلمح شاهدا على ذلك في قول الله تعالى لأم موسى { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم} فاستعمل مع التابوت القذف ، وذلك لشدة تعلقها بولدها ، وكأنها تنزعه من نفسها نزعا لتلقيه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد.. عباد الله: إن الله عزوجل خلق الخلق لطاعته ومحبته ومرضاته، والله سبحانه يحب من عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ولا يرضى لعباده الكفر، والله سبحانه لايأمر بالفحشاء والمنكر، وأعظم نعمة على العبد وهي النعمة التي لا توازيها نعمه أن هداه للإسلام والعيش في بين المسلمين والتنعم بأحكام وشرائع هذا الدين. نسأل الله لك التوفيق والنجاح والتميز. ولكن ياعباد الله، المؤمن يعيش في هذه الدنيا وهو يخاف من فتنها ومن تقلباتها، ويخشى على نفسه الفتنة والزيغ بعد الهدى، فاللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وخاصةً أيها المسلمون بعد أن فُتح على المسلمين من وسائل اللهو والعبث والاتصال ما فُتح. ولهذا كان حرياً على المسلم في خضم هذه الفتن والمشغلات أن يتلمس مرضاة الله وتوفيقه، ويتعرف على علامات لتوفيق الله لعبده، فإن كانت فيه فليحمد الله ولْيَثْبُت ويزداد منها، وإن لم تكن فيه تدارك نفسه وأكثر منها. ومما يجعل لطرح مثل هذا الموضوع أهميةً كبرى: اختلالُ موازين كثير من الناس، وظنُّهم أن من توفيق الله للعبد هو أن تفتح له الدنيا، وإن ضُيِّعَ أمر دينه وآخرته، وهذا من الجهل المركب بدين الله وبكتاب الله وسنّة مصطفاه.
فقد تأملت ، فإذا الآية المباركة تتبلور بلاغتها حول كلمتين- وما بلاغة الكلمتين إلا لانتظامهما في نسيج الآية، ونظمها الفريد، والذي به ظهرت بلاغتهما، وخفى عني ما هو أكثر من ذلك: الأولى: ( الاحتساب) كما في قوله تعالى:{ فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}. الثانية: ( القذف) كما في قوله تعالى { وقذف في قلوبهم الرعب}. واخترت هاتين الكلمتين عمدا ، لأن مدار فهم الآية وتذوقها يقوم عليهما. فالقوم أصحاب عجز وضعف صارخ ، إذ بنوا صرح قوتهم على هواء ، وشيدوا أبراج طموحاتهم على هباء ؛ فشخصت أبصارهم إلى الأسباب دون مسببها وخالقها ، وركنوا إليها ، وتوكلوا عليها ، فأضحت بناياتهم هباء منثورا. فمن غرور القوم أنهم ظنوا أن المنعة والقوة والسيادة والرفعة، خلف هذه الأسوار والحصون ، وأنه لا ملجأ ولا معاذ إلا بها ؛ وهذه هي أسطورة الكذب التي يحياها أهل الغفلة في كل زمان – وهي الاعتماد على السبب وشغف القلب به دون مسببه – ؛ وشتان ثم شتان بين الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله ، وبين عبودية الأسباب من دون الله ، وذلك بصرف التوكل والخشية إليها من دون الله – كحال أصحاب قصتنا -!! « فائدة – نسأل الله التوفيق فيها – ! » | قناة إقناع. ومما أفاضت به الآية الكريمة علينا ، إشارتها إلى غرور القوم وغطرستهم ، ومن ذلك ما جاء في نظم الآية من تقديم الضمير ، فلم يأت النظم – مثلا – ( وظنوا أن حصونهم مانعتهم) بل جاءت ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم) ؛ فهم يرون الحذق والمكر والذكاء والقوة فيهم وفيما يتفرع منهم ؛ فهم أصل القوة ، ومنبع إفاضتها.
وأنت يامن فرطت في كتاب الله وتلاوته، تدارك نفسك فإن من علامة التوفيق أن توفق لتلاوة كتاب الله حتى تحوز على هذه الخيرية والأجر العظيم. سابعاً:أن يوفق العبد للقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال جل وعلا { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وقال سبحانه { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فعلق سبحانه الفلاح والتوفيق على من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجعل الخيرية في هذه الأمة لمن أمر ونهى، جعلنا الله وإياكم منهم.
وينبغي لمن أتى مبكرًا أن يشتغل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن. وهو يوم تكفير السيئات فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر ثم ادهن أو مس من طيب ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كُتب له ثم إذا خرج الإمام أنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري. ومن الأحكام: وجوب الإنصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصِتْ والإمام يخطب فقد لغوت". ومن الأحكام: كثرة الصلاة والسلام على رسول الله في هذا اليوم له مزية على غيره: فعن أوس بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ)). خطبة جمعة , فضل يوم الجمعة - مركز تعبير الرؤى. رواه أهل السنن. ويستحب أيضا في هذا اليوم قراءة سورة الكهف: لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين). ولا يشترط قراءتها في المسجد بل المبادرة إلى قراءتها ولو كان بالبيت. ومما يجتنب يوم الجمعة تخطي رقاب الجالسين والتفرقة بينهم لقوله صلى الله عليه وسلم للذي رآه يتخطى رقاب الناس: ((اجلس فقد آذيت وآنيت)).
في الجمعة ساعةُ الإجابة: لقوله صلى الله عليه وسلم - عن يوم الجمعة: (فِيهِ سَاعَةٌ، لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا[19]. خطب الجمعة مطبوعة - أهوال يوم القيامة والتحذير من بعض المعاصي والحث على العمل للآخرة - موقع أهل السنة و الجماعة. يسن في الجمعة إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجمعة، ويومَ الجمعة: لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: (أَكْثِرُوا الصَّلاَةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)[22]. جاء في الحديث (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، إِلاَّ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) رواه أحمد في والترمذي،وحسنه الألباني أقول ماتسمعونواستغفر الله لي ولكم الحمد لله... أما عن فضائل هذا اليوم العظيم: قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة ويوم الجمعة، وفيها فضيلتان: فضيلة زمانية، وأُخرى مكانية: أمَّا الفضيلة الزمانية: فقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؛ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ)[25]. وأمَّا الفضيلة المكانية: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: (مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيلَةَ الْجُمُعَةِ؛ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[26].
فهذه أوامرُ الله تعالى بأداء الجمعة، وهذه نواهيه عن تركها، هذا ترغيبه ووَعْدُه للعاملين، وهذا ترهيبه ووعِيدُه للمتكاسلين.