الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته. اختيار هذا الخط
وقوله: { كل آمن بالله} جمع بعد التفصيل ، وكذلك شأن ( كلَ) إذا جاءت بعد ذكر متعدّد في حُكْم ، ثم إرادة جمعه في ذلك ، كقول الفضل بن عباس اللَّهَبِي ، بعد أبيات:... كُلٌّ له نِيَّةٌ في بغض صاحبه بنعمة الله نقليكم وتَقْلُونا... وإذ كانت ( كلّ) من الأسماء الملازمة الإضافة فإذا حذف المضاف إليه نوّنت تنوينَ عوض عن مفرد كما نبّه عليه ابن مالك في «التسهيل». القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة البقرة - الآية 285. ولا يعكر عليه أنّ ( كل) اسم معرب لأنّ التنوين قد يفيد الغرضين فهو من استعمال الشيء في معنييه. فمن جوّز أن يكون عَطْفُ { المؤمنون} عطفَ جملة وجعل { المؤمنون} مبتدأ وجعل { كلٌّ} مبتدأ ثانياً { وآمن} خبره ، فقد شذّ عن الذوق العربي. وقرأ الجمهور { وكتبه} بصيغة جمع كتاب ، وقرأه حمزة ، والكسائي: وكِتَابِه ، بصيغة المفرد على أنّ المراد القرآن أو جنس الكتاب.
فهنا قال: قرأ بهما قالوا: (قرأ) مُضمن معنى فعل آخر، وهو التَّبرك، تبرك بكذا، فيكون فيه معنى القراءة والتَّبرك. آية آمن الرسول - ويكي شيعة. هكذا قال بعضُ أهل العلم، وعلى هذا لا تكون الباءُ هذه صِلة، ولا تكون زائدةً، قالوا: مثل قوله: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ [الإنسان:6]، هنا يَشْرَبُ بِهَا ، والأصل أن يُقال: يشرب منها، فالتَّعدية بالباء هنا، قالوا: لأنَّ الفعل (يشرب) مُضمّن معنى (يرتوي)، فإنَّ الارتواء يتعدَّى بالباء: يرتوي بها، أو يلتذّ بها، فصار المعنى فيه زيادة، فهو يدلّ على الشُّرب + الارتواء، أو الالتذاذ، وهذا له أمثلة ونظائر ذكرتُ شيئًا منها في مناسباتٍ سابقةٍ. وعلى كل حالٍ، فقوله هنا: مَن قرأ بهما أي: قرأهما، متى يقرأ ذلك؟ قال: في ليلةٍ كفتاه ، إذًا هذا من أذكار الليلة، في آية الكرسي قال: إذا أويتَ إلى فراشك ، وهنا: مَن قرأ بهما في ليلةٍ كفتاه ، والليل يبدأ متى؟ من بعد غروب الشَّمس. والحافظ ابن حجر -رحمه الله- أورد روايةً ليست في "الصحيحين"، ولا في السنن، وإنما أخرجها عليُّ بن سعيد العسكري في "ثواب القرآن"، بلفظ: مَن قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه ، آمَنَ الرَّسُولُ... إلى آخره [6] ، والحافظ حينما ذكر هذه الرِّواية لم يعقّب عليها، ومن عادته أنَّ ما سكت عنه في "فتح الباري" فإنَّ ذلك يدلّ على أنَّه صالحٌ للاحتجاج، وأنَّه ليس بضعيفٍ عنده، مع أنَّه من رواية عاصم بن بهدلة.
وقيل: سمع بمعنى قبل ، كما يقال: سمع الله لمن حمده فلا يكون فيه حذف. وعلى الجملة فهذا القول يقتضي المدح لقائله. والطاعة قبول الأمر. وقوله: ( غفرانك) مصدر كالكفران والخسران ، والعامل فيه فعل مقدر ، تقديره: اغفر غفرانك ، قاله الزجاج. سورة البقرة امن الرسول صلى الله عليه. وغيره: نطلب أو أسأل غفرانك. ( وإليك المصير) إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل: ( إن الله قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه) فسأل إلى آخر السورة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: نصرت بالرعب مسيرة شهر ويقال إن الغزاة: إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في شهر ، علموا بخروجهم أو لم يعلموا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع أوحى الله هذه الآيات ، ليعلم أمته بذلك. ولهذه الآية تفسير آخر ، قال الزجاج: لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى: لله ما في السماوات وما في الأرض ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله. وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وهي: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليكم هذه الآية ولا نطيقها.
تفسير خواتيم سورة البقره -أمن الرسول بما انزل... الشيخ محمد الشنقيطي تفسير مفصل ورهيب جدا - YouTube
وقال عكرمة والضحاك: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة إذا نودي لها فأنزل الله تعالى هذه الآية معناه: إذا نودي للصلاة فانهضوا لها وقال مجاهد وأكثر المفسرين: معناه: إذا قيل لكم انهضوا إلى الصلاة وإلى الجهاد وإلى مجالس كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا. ( يرفع الله الذين آمنوا منكم) بطاعتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وقيامهم من مجالسهم وتوسعتهم لإخوانهم ( والذين أوتوا العلم) من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم " درجات " فأخبر الله - عز وجل - أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - مصيب فيما أمر وأن أولئك المؤمنين مثابون فيما ائتمروا وأن النفر من أهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام. ( والله بما تعملون خبير) قال الحسن: قرأ ابن مسعود هذه الآية وقال: أيها الناس افهموا هذه الآية ولنرغبنكم في العلم ، فإن الله تعالى يقول: " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات.
يا طلاب العلم: إذا طُلِب منك دليلٌ من السنَّة، فإن كنتَ تعرفه -ولو بالمعنى- فأجِبْ، وإلاَّ فأمسك عن الإجابة حتَّى لا تدخُل في قوْل النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم-: "مَن كذَب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعَدَه من النَّار"؛ رواه البخاري ومسلم. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات الطلاب. فإذا كان الكذب على النَّبيِّ بهذا العظم؛ فالكذِب على الله -عزَّ وجلَّ- أعظم وأشنع، فتجنَّب الخوض في الأحْكام الشرعيَّة إذا كنتَ لا تعلم حُكْمَ الله فيها، ولا تؤْثِر الحاضر على الباقي. الكتب والملخَّصات المدرسيَّة لا تخلو من ذِكْر الله، فيحرُم امتهانُها ورمْيُها في الشَّارع، فإذا كُنْتَ في غُنْيةٍ عنْها، فدَعْها في المدْرسة، أو قُمْ بِجمْعِها وأَرْسِلها للجِهات الخيريَّة التي تُعْنَى بها وينتفع بها. يا طلاب العلم: أنبِّهُك إلى حُسْن النيَّة في طلَب العلْم ومراجعتِه؛ قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى » رواه البخاري.
جميع الحقوق محفوظة 1998 - 2022
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " تفسحوا في المجلس " على التوحيد ، غير الحسن البصري وعاصم ، فإنهما قرأا ذلك ( في المجالس) على الجماع. وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القراء عليه. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات للاطفال. وقوله: ( فافسحوا) يقول: فوسعوا ، ( يفسح الله لكم) يقول: يوسع الله منازلكم في الجنة ، ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا) يقول - تعالى ذكره -: وإذا قيل ارتفعوا ، وإنما يراد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدو ، أو صلاة ، أو عمل خير ، أو تفرقوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقوموا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا) إلى ( والله بما تعملون خبير) قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة. حدثني محمد بن عمرو قال: ثنا أبو عاصم قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله: ( فانشزوا) قال: إلى كل خير ، قتال عدو ، أو أمر بالمعروف ، أو حق ما كان. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة قوله: ( الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا) يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا.
وقال الحسن: هذا كله في الغزو. حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا): كان إذا نودي إلى الصلاة تثاقل رجال ، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها ، يقوموا إليها. وحدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا) قال: انشزوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا ، فارتفعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن له حوائج ، فأحب كل رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا). القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الحج - الآية 54. وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك ؛ لأن الله - عز وجل - أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا أن ينشزوا ، فعم بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات ، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ( فانشزوا) بضم الشين. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسرها. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكفون ويعكفون ، ويعرشون ويعرشون ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب.