وفيه أنَّ النبيَّ صلي الله عليه وسلم أمَره أن يضطجعَ على الجنْبِ الأيمنِ؛ لأنَّ ذلك هو الأفضلُ، وقد ذكر الأطباءُ أنَّ النوم على الجنبِ الأيمن أفضل للبدن، وأصحُّ من النومِ على الجنبِ الأيسر. وذكر أيضا بعضُ أرباب السلوك والاستقامة أنَّه أقربُ في استيقاظ الإنسان، لأن بالنوم على الجنبِ الأيسر ينامُ القلب، ولا يستيقظ بسرعة، بخلاف النوم على الجنْب الأيمن، فإنَّه يبقي القلبُ متعلِّقًا، ويكون أقل عمقًا في منامه فيستيقظ بسرعة. وفي هذا الحديث: أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم أمره أن يجعلَهنَّ آخرَ ما يقول، مع أنَّ هناك ذكرًا بل أذكارًا عند النوم تُقال غير هذه، مثلًا: التَّسبيحُ والتَّحميدُ، والتَّكبير، فإنَّه ينبغي للإنسان إذا نام على فِراشه أن يقول: سبحانَ الله ثلاثًا وثلاثين، والحمدُ لله ثلاثًا وثلاثين، والله أكبرُ أربعًا وثلاثين، هذا من الذِّكر، لكن حديث البراء رضي الله عنه يدلُّ على إن ما أوصاه الرَّسول صلي الله عليه وسلم به أن يجعلهن آخر ما يقول. ص401 - كتاب غريب الحديث ابن قتيبة - حديث البراء بن عازب - المكتبة الشاملة. وقد أعاد البراء بن عازب رضي الله عنه هذا الحديثَ عن النبي صلي الله عليه وسلم، ليتقنه، فقال: «آمنتُ بكتابِك الذي أنْزلتَ ورسولِك الذي أرْسلتَ». فردَّ عليه النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وقالَ قُل: «ونَبيَّكَ الَّذي أرْسَلتَ»، ولا تقلْ: «ورسولِك الذي أرسَلتْ».
وفي حروب الردة في اليمامة لما تضعضع الناس، وانهزموا هزيمة منكرة، وحصل مقتلة كبيرة، كانوا يتداعون، ويتنادون: يا أصحاب سورة البقرة، وينادون أهل القرآن، وجمع أصحاب النبي ﷺ، ووضعوا في المقدمة، وكان الأعراب هم الذين قد تقدموا، فأُخِّروا، فحصل النصر بعد ذلك. فأقول: الإنسان قيمته بحسب ما يحسنه، وتجد الإنسان إذا أقبل على هذا الدين، وأقبل على كتاب الله ، وعمل به، واشتغل به، ترتفع مرتبته ويكون له محبة في قلوب الخلق، إن كان له في ذلك نية، والله المستعان. حديث البراء بن عازب الطويل. ويضع به آخرين انظر عم النبي ﷺ أعني أبا لهب، وهو قريشي، ومع ذلك نحن نقرأ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] فما نفعه النسب، ولا القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لما كذب بالقرآن، فيضع الله -تبارك وتعالى- بهذا القرآن آخرين. والحديث التالي: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل، وآناء النهار [3] متفق عليه". قوله ﷺ: لا حسد إلا في اثنتين لا حسد يعني: لا غبطة، لا أحد يُغبط، يغبط على ماذا؟ على كثرة الأولاد، أو على كثرة المال؟!
فرحم الله الشيخ محمد زاهد الكوثري وجزاه خيرا عن المسلمين وعن صبره على البلاء خير الجزاء، ونفعنا الله بعلمه وجعلنا ممن يستن بسنته في الجهر بالحق.. اللهم آمين. المقالات الكوثرية تفوح علما عاطرا نافعا؟ عند الحديث عن تراث شيخنا الكوثري، وهو حنفي المذهب حتى النخاع، ولكنه ناصر للمذاهب الأربعة باعتبارها عنوان وحدة وتماسك الأمة، وضد اللامذهبية التي يراها -وأوافقه تماما- أنها قنطرة اللادينية، وهذه بالمناسبة مقالة أو رسالة مسطورة في أحد ما ترك من كتب ولعله أبرز كتبه. كتاب (مقالات الكوثري) وقد يسر الله لي منه نسخة مطبوعة صادرة عن المكتبة التوفيقية بالقاهرة، وهناك طبعات أخرى ونسح إلكترونية كثيرة من هذا الكتاب النفيس. أرشيف الإسلام - خزانة الكتب - عرض وتصفح كتاب ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة لمؤلفه : كوثري، محمد زاهد بن الحسن،, author.. بضع وخمسون مقالة جمعت في هذا الكتاب من قلم الشيخ محمد زاهد الكوثري -رحمه الله- وقد قدم لهذه المجموعة القيّمة من المقالات كل من: الشيخ (محمد يوسف البنوري) أستاذ الحديث بدار العلوم الإسلامية، باكستان، وذلك بعد سنتين من وفاة العلامة الكوثري؛ شرح فيها ماهية المقالات ومواضيعها، وكيف كانت فكرة جمعها. الشيخ (محمد أبو زهرة) وكيل كلية الحقوق وأستاذ الشريعة في جامعة القاهرة (إبان تلك الفترة) حيث تناول نبذة عن سيرة الشيخ الكوثري ولقائه به وارتياده مجلسه، وعرضه عليه التدريس في برنامج دبلوم الشريعة التابع لكلية الحقوق في جامعة القاهرة، ولكن الشيخ الكوثري -رحمه الله- اعتذر بسبب ضعف بصره ومرضه ومرض زوجه، رغم إلحاح الأستاذ محمد أبو زهرة عليه لقبول التدريس، وقد أخبره العلامة الكوثري حينما زاره في البيت أنه يريد أن يكون في موضع الدرس قويا لا ضعيفا، ومرضه ومرض زوجه عامل ضعف، فوجب الاعتذار.
عندما نظرت إلى سيرة شيخنا محمد زاهد الكوثري -رحمه الله- تحسرت على زمن كانت فيه مصر حاضنة العلماء والشيوخ، ومن بينهم الذين فرّوا بدينهم من بطش أعداء الدين؛ فقد احتضنت مصر (وكذا الشام) شيخ الإسلام في السلطنة العثمانية (مصطفى صبري) مثلما احتضنت شيخنا الكوثري رحمهما الله تعالى. من الكوثري؟ أرى من واجبي إحياء ذكر الرجل، في ظل تتابع جيلين أو أكثر لم تسمع منه أو عنه، بل لربما تسمع من يطعن فيه وفي عقيدته ومنهجه، ويشكك في دينه، وهو أمر آلمني وحزّ في نفسي. وهذه نبذة عامة مختصرة عن حياة شيخنا: ولد الشيخ العلامة محمد زاهد بن حسن الحلمي الكوثري ولد في (دوزجة) الواقعة إلى الشرق من إسطنبول في تركيا الحالية أواخر عهد السلطنة العثمانية وتحديدا في (1296هــ/1878م) لأسرة أصلها من القوقاز، ونسبة الكوثري تعود إلى (كوثر) أحد أجداده. انظروا ماذا يقول الشيخ محمد زاهد الكوثري في ابن تيمية الضال | موقع سحنون. وتلقى (محمد زاهد) الفقه في جامع الفاتح وحاز على منصب (وكيل المشيخة الإسلامية أو وكيل الدرس) وهو ما يعادل أو يوازي منصب شيخ الأزهر في مصر. وقد كان الشيخ محمد زاهد الكوثري -رحمه الله- متقنا للعربية والفارسية والتركية والشركسية، متبحرا في علوم الشريعة وما يسندها من علوم الآلة. وكان عالما من الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يتردد أن يصدح بالحق، وأن يجهر بما ينصر الإسلام وأهله.
وله كتاب (التعليقات المهمة على شروط الأئمّة) وتخريج كتاب (التبصرة في الدين)، وتكملة كتاب (السيف الصقيل) للسبكي والعشرات من المقالات المختلفة في المجلات والصحف العربية. تحميل كتاب الشيخ محمد زاهد الكوثري مجموعة المقدمات PDF - مكتبة نور. كان مرجِعا في الحديث النبوي الشريف ورِِجاله وحُجّة في المراجع والمكتبات العامة والخاصة في العالم العربي والإسلامي. صحّح الجزء الخاص عن الشراكسة في دائرة المعارف الإسلامية وعلّق عليه وشارك الاستاذ حسن قاسم في كتابة الجزء الخاص بالشراكسة في مؤلفه الكبير ( المزارات والآثار الإسلامية في مصر والقاهرة). وضع رسالة مُطوّلة تبحث في تاريخ الشراكسة في مصر وهي ما تزال مخطوطة متداولة بانتظار النشر، وفيها تفنيد للكثير من المُغالطات والتجنِّيات التاريخية بشأن دولة السلاطين الشراكسة في مصر.
لست أريد الخوض في غمار خصائصه ومميزات علمه، فإن أمامنا مقالاته وأبحاثه وهي شهود مقانع على ما أشرت إليه من مزاياه، فترى فيها ثروة علمية فياضة، يتدفق تيارها في كل ناحية من مناحي التحقيق والبحث، روايتها ودرايتها.. فقهها وحديثها.. كلامها ومعقولها.. أدبها وتاريخها، بكل دقة وبكل نصفة وبكل ديانة وبكل أمانة، ثم كل ذلك بكل صراحة لا يشوبه نفاق ولا مداهنة ولا مواربة، قياماً لخدمة الحق بما يقتضيه الحق، ونصيحة للدين بما يستدعيه الدين. قرأت الكوثري من قريب وقرأت للكوثري كثيراً من قريب ومن بعيد، وأرى أن الحق - والحق يقال - أن القوم لم يقدروا الكوثري بما يستحقه من تقدير وإجلال، ذلك المحقق، وذلك البحاثة الناقد، وذلك الخلق الجميل، والنبل الجزيل بمعنى الكلمة. بين يديك أيها القارئ الكريم "مقالات الكوثري" أًجِلْ فيها قداح نظرك الغائر ترى كل مقالة وكل موضوع يترقرق فيه علم عزير فياض. ولا أرى بأساً أن أذكر أمهات خصائص مقالاته وكتاباته فيما يلي إجمالاً ليكون القارئ بصيراً خبيراً، يتذوقه ذواقاً قبل تعاطيه، وتأخذه الأريحية قبل أن يرشح الإناء بما فيه: كل ما كان يكتب أو أراد أن يكتب يكون الحامل عليه الذب عن حوزة الدين الإسلامي والانتصار للحق، دون أن يكون مرماه إبداء تحقيق فقط، أو مغزاه رجاء ثناء الناس عليه.
فانظر يا رعاك الله: رجل يذكر أبا الحنيفة الإمام في المسجد الحرام بأبي جيفة! فكيف هو يقدر أن يلين معه القول. انظر كتابه "النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة" وانظر "تأنيب الخطيب فيما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب" تجد في أسلوبهما فرقاً بيناً، تجده في الأول موادعاً سمحاً ليناً، فين حين تراه في الثاني هزبراً مزيراً. وقصارى القول أن أسلوبه يتفاوت في الشدة واللين بمبلغ الخطورة في الكلام المردود.. وليت شعري إذا لم يكن هذا من قبيل الحب في الله والغضب في الله فماذا يكون؟ ترى الناس يستشيطون غيظاً إذا كانوا هم أهدافاً للملام والطعن، وتراهم أرحب صدوراً إذا فوقت السهام إلى دين الله وسنة رسوله! فذلك التحامل وهذا التحالم والتحمل كل في موضعه أمر شنيع!. ويعجبني قول الكوثري في (ص253): « أما الكوثري فهو - والله الحمد- ناصع الجبين جبان رعديد، لا يجترىء على تخطي حدود ما أنزل الله في ذاته وصفاته وأحكام شريعته.. لكنه بطل كرار، حنيفي حنفي يهد الأصنام كبيرها وصغيرها، ويسحق رؤوس عُبَّادها بمقامع الحجج من الكتاب والسنة والمعقول ما دام له عرق ينبض... إلخ. » كل كتاب أو مقالة لأحد ممن يجله ويحترمه إذا ظهر له فيه بعد من الصواب من أية ناحية لا يحول دون الرد عليه صلته بالمؤلف الكريم بالإجلال والتعظيم، فإن الحق أحب إليه من كل شيء، انظر كتابه "الاستبصار في الجبر والاختيار" حيث رد به مزالق الشيخ مصطفى صبري متكلم عصره، وكذلك رده في عرض كلامه في بعض كتاباته على فضيلة المغفور له الشيخ محمد بخيت المطيعي.