.. إنه كلب من كلاب الله!! بقلم: الدكتور جابر قميحة ""اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك... اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك"".. قالها رسول الله صلي الله عليه وسلم في يقين ممزوج بالأسي, وعيناه وقلبه إلي السماء يستنصر الله, ويستعديه علي ""عتبة بن أبي لهب"" الذي جاءه, وهو في جمع من الناس, يسخر منه, ويتمادي في السخرية, ويأخذه غرور الجبابرة الصغار, وهو يقول ""يا محمد, أشهد أني قد كفرتُ بربك. وطلقت ابنتك"", وكان النبي صلي الله عليه وسلم قد زوجه ابنته رقية قبل البعثة. ولم يهتز عتبة لدعوة النبي. واحد فقط أخذه الفزع - علي ضلوعه في الكفر وإيذاء النبي - هو أبو لهب الذي قال لابنه عتبة ""يا ولدي فلتأخذ حذرك دائمًا, فإني لأشد الناس رهبة وخوفًا عليك من دعوة هذا الرجل"". من هو الذي دعا عليه الرسول اللهم سلط عليه كلبا من كلابك - إسألنا. وودع أبو لهب ابنه, وهو يهم بالرحيل في قافلة تجارية إلي الشام, وليس نصب عينيه وأذنيه ومشاعره إلا دعوة محمد صلي الله عليه وسلم ""اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك"". * * * بدأ الركب مسيره إلي الشام, وفي الليل بلغوا واديًا يسمي ""وادي القاصرة"", وهو واد مسبعة - أي كثير السباع- فنزلوه للاستراحة, وكما يروي ""هبّار بن الأسود"" - أحد رجال الركب - أصر عتبة ألا ينام إلا وسط رفاقه قال هبار: فما راعني إلا ""أسد"" يشم رؤوسنا رجُلا رجلاً, حتي انتهي إلي عتبة, فأنشب مخالبه في صدغيه, فصرخ عتية ""يا قوم قتلتني دعوة محمد"".
وإليكم هذا الخبر العجيب! كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقَنَّ إلى محمد ولأوذينَّه في ربه. فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، كفرت بالذي دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى. فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: " اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك ". ما صحة حديث اللهم سلط عليه كلبا من كلابك . سؤال وجواب الشيخ النميري حفظه الله ١٤٣٨/٢/٢٦ - YouTube. ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بُنَيّ، ما قلت له؟ فذكر له ما قاله، فقال: فما قال لك؟ قال: قال: " اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك ". قال: يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه! فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أرضٌ كثيرة الأسد، فقال أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة، والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها. ففعلنا، فجاء الأسد فشمَّ وجوهنا، فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة، فإذا هو فوق المتاع، فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا يتفلت من دعوة محمد [2]!! وذكر الكتاني في ذيل مولد العلماء (1/139) أنه ظهر في زمن الحاكم رجلٌ سَمَّى نفسه هادي المستجيبين، وكان يدعو إلى عبادة الحاكم، وحُكيَ عنه أنه سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وبصق على المصحف، فلما ورد مكة شكاه أهلها إلى أميرها، فدافع عنه، واعتذر بتوبته، فقالوا: مثل هذا لا توبة له!
"، وقال ابن عبد البر: "وقال مصعب وغيره من أهل النسب: كانت رقية تحت عتبة بن أبي لهب، وكانت أختها أم كلثوم تحت عتبة بن أبي لهب، فلما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}: قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما حمالة الحطب: فارقا ابنتي محمد، وقال أبو لهب: رأسي من رأسيكما حرام إن لم تفارقا ابنتي محمد، ففارقاهما". وقد أخذ الله عز وجل أبا لهب بمكة، إذ أصابه مرض خبيث، يقال له مرض العدسة، وكان ذلك بعد هزيمة المشركين في غزوة بدر، فجمع الله عليه البلاء والعذاب النفسي والبدني، فمات شر ميتة. وقصة مرض وموت أبي لهب رواها الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكنت قد أسلمْتُ، وأسلمَتْ أم الفضل، وأسلم العباس، وكان يكتم إسلامه مخافة قومه، وكان أبو لهب تخلف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام، وكان له عليه دَيْن، فقال له: اكفني من هذا الغزو، وأترك لك ما عليك، ففعل.
ومن صور حماية الله لنبيه، وكفايته إياه استهزاء المستهزئين - أن يصرف الشتيمة والذم والاستهزاء إلى غيره، فإذا بالشاتم يريد أن يشتمه فيشتم غيره من حيث لا يشعر!! قال صلى الله عليه وسلم: " ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمَّمًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمد " [13]. قال ابن حجر: كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسم الدال على المدح، فيعدلون إلى ضده فيقولون: مذمّم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل الله بمذمم. ومذمم ليس اسمه، ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره [14]! لا إله إلا الله.. ومن صور الحماية الربانية أن يغيِّر الله السنن الكونية؛ صيانةً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ورعاية له. وشاهد ذلك قصةُ الشاةِ المسمومة، فهذه زينب بنت الحارث جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم بشاة مشوية دسَّتْ فيها سمًّا كثيرًا، فلما لاك النبي صلى الله عليه وسلم منها مضغةً لم يسغها، وقال: " إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم "! ثم دعا باليهودية، فاعترفت. فانظر كيف خرم الله السنن الكونية من جهتين: أولاهما: أنه لم يتأثر صلى الله عليه وسلم بالسم الذي لاكه. وثانيتهما: أن الله أنطقَ العظم، فأخبره عليه الصلاة والسلام بما فيه.