تقتلك الفئة الباغية"، ليسوا كفارا ولا مشركين، لكنهم من المسلمين، يخالفون الإمام الأعظم ويقاتلونه. وتمر الأيام، ويأتي رجال إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينعون عمارا، ويخبرونه بوقوع حائط عليه، وأنه مات، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: " ما مات عمار، ما مات عمار، ما مات عمار "؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وعمار ستقتله الفئة الباغية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:9-10]. قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. ما لم تسمعه عن ...الصحابي الجليل عمار بن ياسر!!!. أما بعد: فيا معاشر المسلمين، شهد عمار المشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ممن بايع تحت الشجرة، ولما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذرفت دموع غزيرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتد من ارتد، وظهر من ادعى النبوة، فوقف صدّيق الإسلام لتلك الفتنة، وقاتل أهل الردة.
هُو عَمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مذحج المذحجي العنسي. وكان أبوه ياسر قدم مكة هو وأخوان له هما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وبقي ياسر، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي القرشي، وتزوج أمته سمية، فولدت له عمارا. كان عمار آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين. وكان لا يغير شيبه. وقيل: كان أصلع في مقدم رأسه شعرات. كان من السابقين للإسلام حيث أسلم هو وصهيب بن سنان في دار الأرقم فكانا من أول سبعة أظهروا إسلامهم. أمه سمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام. هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والمشاهد كلها. شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام موقعة الجمل ومعركة صفين وقتل يوم صفين وله إحدى وتسعون سنة وقيل أربع وتسعون عام 37 هـ. يعتبر عمار من المسلمين الأوائل، الذين أسلموا بدار الأرقم، التي سميت «دار الإسلام». وقد سار عمار إلى تلك الدار بعد فترة وجيزة من سماعه بخبر النبي ونبوته، حيث أسلم، ورجع إلى بيته فأسلم من بعده أبوه ياسر وأمه سمية وأخوه عبد الله. أدى إسلام أسرة عمار إلى سخط حلفائها من بني مخزوم، فثارت ثائرتهم ونقموا على الأسرة المسلمة، وكان من أثره أن عصفت بها عواصف المحن وهاجت عليها رزايا العذاب.
وكانت معركة اليمامة، فكان عمار من أبطالها، يقول ابن عمر: " رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين! أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر! هلمَّ إليَّ! وأنا أنْظُرُ إلى أُذنِه قد قُطَعتْ، فهي تَذَبْذَبُ، وهو يقاتل أشدّ القتال، حتى تحقق النصر ". ولما تولى فاروق الإسلام عمر بعث رجالا إلى بلاد الفرس والروم ولاة على الأقاليم، وبعث عمار بن ياسر أميرا على الكوفة، عاش عمار أميرا زاهدا، وحاكما ورعا، يحب رعيته ويرعاها، لا يعرف فظاظة الحكام، ولا إمرة الأمراء. وفي خلافة علي -رضي الله عنه- وقعت الفتنة بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، وتقابلوا في معركة صفين، وينضم عمار إلى علي، ويتقدم إلى أرض المعركة. قال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت عماراً يقول يومئذ لهاشم: " يا هاشم، تقدم! الجنة تحت الأبارقة، اليوم ألقى الأحبة، محمدا وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وهم على الباطل ". ثم قال: نحن ضربناكم على تنزيله *** فاليوم نضربكم على تأويله ضرباً يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله ثم تقدم فقاتل وقُتل رضي الله عنه وأرضاه، فحمله علي -رضي الله عنهما- ودفنه في ثيابه، وبهذا ودع عمار الحياة نصيرا للحق، قتيلا بسيف البغي، رضي الله عنه وأرضاه، وجمعنا به في دار الكرامة إخوانا على سرر متقابلين.