بعض من العلماء: ذهب هؤلاء العلماء إلى أن الطلاق يقع أو لا يقع على حسب نية الزوج، فإن شرط على زوجته الطلاق إذا فعلت شيء ما وكان في نيته إنها طالق بالفعل إذا فعلت ذلك الشيء في هذه الحالة يقع الطلاق. أما إذا قال لزوجته تكونين طالقًا إذا فعلت ذلك الشيء ولم يكن في نيته طلاق لأنه يريد أن ينهاها عن شيء ولم تفعله لم يقع الطلاق ولكن يعتبر يمينًا، أما إذا فعلت الزوجة ذلك الشيء الذي حلف عليه زوجها بالطلاق فإن الطلاق يقع لأن الزوج يحنث في يمينه على الطلاق. اختلف الفقهاء في الحكم على مسألة متى يقع الطلاق الثالث، نظرًا لأن هذه المسألة لا يُمكن الحكم فيها إلا بوجود مفتي يسمع الحال الذي نطق فيه الزوج هذه الكلمة.
[3] هل يقع الطلاق بغير كلمة طالق ذهب جمهور الفقهاء من أهل العلم إلى أن أحوال الطلاق بغير كلمة طالق يمكن تفصيله كالتالي: لا يقع الطلاق إلا باللفظ الصريح أو بالكنية مقرون بنية الطلاق، وغير ذلك ما دام ليس لفظ ااطلاق الصريح، ولا لفظ من ألفاظ الكنية فلا يعتبر طلاق، بل يعتبر لغو، وحتى إن كان لديه النية والقصد. قال القرطبي ""وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق، ويكنى بها عن الفراق، فأكثر العلماء لا يوقعون بشيء منها طلاقاً، وإن قصده القائل، وقال مالك: كل من أراد الطلاق بأي لفظ كان لزمه الطلاق حتى بقوله كلي واشربي وقومي"" وكما قال أكثر أهل العلم وهو الأمر الذي فيه ترجيح من كثير من العلماء هو القول التالي: التلفظ بغير ألفاظ الطلاق وكناياتها المعروفة والمعهودة لا يلزم شيء وإن كان الزوج يقصد به الطلاق، سواء في ذلك كان يعلم الحكم من قبل أو علم بالحكم لاحقا بعد ذلك، وحتى لو كان قد تحدث به للناس على اعتبار انه بالفعل طلاق، وكل ذلك لا يجعل ما تم يعتبر بالفعل طلاق.
فهنا إذا أربع مسائل: أحدها: هل يقع الطلاق أم لا ؟. والثانية: إن وقع فهل يجبر على الرجعة أم يؤمر فقط ؟. والثالثة: متى يوقع الطلاق بعد الإجبار أو الندب ؟. والرابعة: متى يقع الإجبار. [ المسألة الأولى] [ هل يقع الطلاق في الحيض ؟] أما المسألة الأولى: فإن الجمهور إنما صاروا إلى أن الطلاق إن وقع في الحيض اعتد به ، وكان طلاقا ، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: " مره فليراجعها ". قالوا: والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق ، وروى الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج: " أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم ". وروي أنه الذي كان يفتي به ابن عمر. وأما من لم ير هذا الطلاق واقعا فإنه اعتمد عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " كل فعل أو عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ". وقالوا: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده يشعر بعدم نفوذه ووقوعه. المطلبُ الثَّالِثُ: حكم الطلاق بالوكيل - الموسوعة الفقهية - الدرر السنية. وبالجملة فسبب الاختلاف: هل الشروط التي اشترطها الشرع في الطلاق السني هي شروط صحة وإجزاء ، أم شروط كمال وتمام ؟. فمن قال: شروط إجزاء قال: لا يقع الطلاق الذي عدم هذه الصفة. ومن قال: شروط كمال وتمام قال: يقع ، ويندب إلى أن يقع كاملا ، ولذلك من قال بوقوع الطلاق وجبره على الرجعة فقد تناقض ، فتدبر ذلك.
وذهب إلى هذا القول: ابن عباس رضي الله عنهما في رواية صحيحة عنه ، وذهب إلى قول الأكثرين في الرواية الأخرى عنه ، ويروى القول بجعلها واحدة عن علي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا. وبه قال جماعة من التابعين ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما ، وهو الذي أفتي به ؛ لما في ذلك من العمل بالنصوص كلها ؛ ولما في ذلك أيضاً من رحمة المسلمين والرفق بهم. " فتاوى إسلامية " ( 3 / 271 ، 272). والذي يظهر أن القاضي الشرعي ذهب إلى هذا القول ، وهو أن طلاق الثلاث يقع واحدة ، وعلى هذا فلا حرج من إرجاعها. متى لا يقع الطلاق الثالث – جربها. ولكن بعد انتهاء العدة لا رجعة لك عليها ، وإنما تعقد عليها عقداً جديداً. قال الشيخ ابن عثيمين:... وأما إذا كانت المراجعة بعد تمام العدة - أي: بعد أن حاضت ثلاث مرات -: فإن هذه المراجعة ليست بصحيحة ؛ لأن المرأة إذا تمت عدتها صارت أجنبية عن زوجها ، ولا تحل له إلا بعقد جديد. " فتاوى إسلامية " ( 3 / 293). والله أعلم.
يجوزُ للرَّجُلِ أن يُوكِّلَ غَيرَه في طَلاقِ نِسائِه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1584] ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/263)، ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 489). ، والمالِكيَّةِ [1585] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/405)، ((منح الجليل)) لعليش (4/158). ، والشَّافِعيَّةِ [1586] ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 134)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/220). ، والحَنابِلةِ [1587] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/237)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/464). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1588] قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (الأصلُ المجتَمَعُ عليه: أنَّ الطَّلاقَ بيَدِ الزَّوجِ أو بِيَدِ مَن جَعَل ذلك إليه). ((الاستذكار)) (6/184). وقال الكاساني: (أجمعوا على أنَّ قولَه لأجنبيٍّ: طَلِّقِ امرأتي- توكيلٌ... أنَّه لو أضاف الأمرَ بالتطليقِ إلى الأجنبيِّ ولم يُقَيِّدْه بالمشيئة، كان توكيلًا بالإجماعِ). متى لا يقع الطلاق الثالث على. ((بدائع الصنائع)) (3/122). وقال المرداوي: (يجوز التوكيلُ في العِتقِ والطَّلاقِ بلا نزاعٍ). ((الإنصاف)) (5/264). وخالف في ذلك ابنُ حزم، فقال: (لا تجوزُ الوَكالةُ في الطَّلاقِ؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقولُ: وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا [الأنعام: 164]، فلا يجوزُ عَمَلُ أحدٍ عن أحدٍ إلَّا حيث أجازه القرآنُ أو السُّنَّةُ الثَّابتةُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ولا يجوزُ كلامُ أحدٍ عن كلامِ غَيرِه مِن حيثُ أجازه القرآنُ أو سُنَّةٌ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم، ولم يأتِ في طلاقِ أحدٍ عن أحدٍ بتوكيلِه إيَّاه قرآنٌ ولا سنَّةٌ؛ فهو باطِلٌ).
وأوجب الإشهادَ ابْنُ بُكيرٍ وغيرُه من المالكيَّة، وهو روايةٌ عندَ الحنابلة. متى لا يقع الطلاق الثالث الابتدائي. واستدلُّوا بقولِه تعالى: { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]. واحتجَّ الجُمهورُ بقَوْلِه صلَّى الله عليه وسلَّم: " مُرْهُ فَلْيُراجِعْها " من حديث ابْنِ عُمَر، ولَم يذْكُر الإشهاد. وبأَثَرِ عِمران بنِ حُصين أنَّه "سُئِلَ عن الرَّجُل يُطَلِّق امرأَتَه ثُمَّ يَقَعُ بِها، ولم يُشْهِد على طلاقِها ولا على رجْعَتِها، فقال: طَلَّقْتَ لغير سُنَّة، وراجعْتَ لغَيْرِ سُنَّة، أشهِدْ على طلاقِها وعلى رَجْعَتِها ولا تَعُدْ"؛ رواه أبو داودَ، والظَّاهر أنَّ قوله لغَيْر السُّنة يعني مستحب. وبأنَّ الرَّجعةَ لا تفتَقِرُ إلى قبول، فلَمْ تفتَقِرْ إلى شهادة، كسائر حقوقِ الزَّوج، ولأنَّها استدامةٌ للنِّكاح وهذا لا يتطلَّب الإشهاد.