كون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى لبنات المجتمع المسلم اعتمادًا على إسلام رجال ونساء كانوا مثالا للترابط الفريد بين أعضاء ذلك المجتمع المتميز، تجري عليهم جميعًا أوامر الرسول ونواهيه، وأن تخلف أحدهم عن أمر الجماعة فهذا يعنى عزله ومقاطعته التي يستحقها لما فعل وبعدها لن يجني إلا المرارة والاحساس بالوحدة. هذه المقدمة ضرورية لفهم طبيعة ما حدث في قصة تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك وتوبته، حيث كان كعب بن مالك شاعر النبي محمد وصاحبه، وشكل مع حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، كتيبة الدفاع عن الرسول ورد الأذى عنه شعرًا. تخلف كعب بن مالك عن غزوة تبوك تخلف كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، عن غزوة تبوك، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بالنهي عن محادثة هؤلاء الثلاثة، ما أصاب الثلاثة بالضيق والغم طوال خمسين ليلة. قصص عن الصدق مع الله ومع النفس روعة قصة كعب بن مالك فى غزوة تبوك. شجاعة كعب بن مالك في الاعتراف يروى كعب بن مالك أحداث هذه القصة التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه، ضمن حديث طويل حيث قال: " لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدًا تخلف عنه "، واعترف كعب في شجاعة يحسد عليها أنه تخلف عن تبوك بدون عذر حيث كان يملك الزاد والراحلة.
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً ، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله عزوجل. فجئته ، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال: " تعال " فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي: " ما خلفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك " فقلت: بلى إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ـ ولقد أعطيت جدلاً ـ ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك على ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله, لا والله ما كان لي من عذر ، ووالله ماكنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك ". قصه كعب بن مالك عبد الرزاق البدر. فقمت فثار رجال من بني سلمة فأتبعوني فقالوا لي:والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقدعجزت ألا تكون أعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر غليهالمخلفون ؟ وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك.
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال الله تعالى{ وعلى الثلاة الذين خلفوا} ليس الذي ذكر الله مما خلفنا من الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له وأعتذرإليه قبل منهم. غريب القصة: - روى بغيرها: أي أوهم غيرها. - تفارط الغزو: أي فات وسبق. تابع قصة كعب بن مالك رضي الله عنه (1) - أحمد حطيبة. - فثار رجال: أي وثبوا. - نبطي من أنباط أهل الشام: أي من أهل الفلاحة ،وهم الذين يستنطبون الماء ويستخرجونه. - فتيممت بها التنور فسجرته بها: أي قصدت بها التنور وأحرقتها به.
قال: قلت: أمن عندك يارسول الله أم من عندالله ؟ قال: " لا بل من عند الله " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يارسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلىالله وإلى رسوله. قال رسول الله: " أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك " قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يارسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق ، وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقاً ما بقيت. فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني ،ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما يقيت. وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار}إلى قوله: { وكونوا مع الصادقين} فوالله ما أنعم الله على من نعمة قط بعدأن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أكون كذبته فأهلك كماهلك الذين كذبوا ، فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قاله لأحد ، قال الله تعالى: { سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} إلى قوله: { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
فعدت له فنشدته فسكت ، وفعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار. قال: وبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يشيرون له ، حتى إذا جاءني دفع إلىكتاب من ملك غسان في سرقة من حرير فإذا فيه: أما بعد ، فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك. فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء! فتيممت بها التنور فسجرته بها. فأقمنا على ذلك, حتىإذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل ؟ قال: لا بل أعتزلها ولا تقربها. وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، فقلت لا امرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت: يارسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه ؟ قال: " لا ولكن لا يقريك " قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله مازال يبكي منذ كان من أمره إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو أستأذنت رسول الله في امرأتك كما أستأذن هلال بن أمية أن تخدمه ؟ فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب.