ففعلت ما أُمرت به ، وساق الله هذا التابوت وبداخله موسى عليه السلام يتقاذفه الموج إلى أن وصل مكان قريب من فرعون وآله { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:8] وفي هذا أن الحذر لا ينفع من القدر ، فإن الذي خاف منه فرعون وقتَّل أبناء بني إسرائيل لأجله قيَّض الله أن ينشأ في بيت فرعون ويتربى تحت يده وعلى نظره وفي كفالته. ومن لطف الله بموسى وأمه أن منعه من قبول الرضاعة من ثدي أي امرأة ، فأخرجوه إلى السوق لعلهم يجدون من يقبل منها الرضاع ، فجاءت أخته وهو بتلك الحال { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12] فاشتملت مقالتها هذه على الترغيب في أهل هذا البيت وبيان ما هم عليه من تمام الحفظ وحسن الكفالة { فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [القصص:13]. ولما بلغ عليه السلام أشده واستوى آتاه الله حُكماً وعلْما ؛ حُكماً يعرف به الأحكام الشرعية والفصل بين الناس، وعلماً كثيرا. قصة فرعون - موضوع. ثم جرت أحداث منها قتل موسى عليه السلام للقبطي ، وتشاور ملأ فرعون مع فرعون على قتله واجتمع رأيهم على ذلك ، ويبلغ موسى الخبر فيخرج من مصر { خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص:21] ودعا الله {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:21].
ويتوجَّه موسى وأخوه هارون عليهما السلام بكل شجاعة وقوة وثبات لتبليغ رسالة الله وتنفيذ أمره سبحانه. لقد أرسل الله موسى عليه السلام بالآيات والسلطان المبين إلى فرعون الذي تكبر على الملأ وقال أنا ربكم الأعلى، فجاءه موسى بالآيات البينات ودعاه إلى توحيد رب الأرض والسماوات ، فقال فرعون منكراً وجاحداً: { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:23] فأنكر الرب العظيم الذي قامت بأمره الأرض والسماوات وكان له آية في كل شيء من المخلوقات ، فأجابه موسى { قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء:24].
وهنا طلب موسى عليه السَّلام من الله أربعة أمور، الأول أن يشرح الله له صدره، والثاني أن ييسِّر له أمره، والثالث أن يحلُل له عقدةً في لسانه، وأما الرابع أن يبعث معه أخاه هارون عليه السلام إلى فرعون يعينه.
بينما الوفاء بالعهود والوعود من صفات المؤمنين المتقين، قال تعالى في وصفهم: ﴿ وَالْمُوفونَ بعَهْدِهِمْ إِذا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. فواجب على المسلم أن يفي بوعده مع الآخرين من عهود ووعود وعقود في بيع أو إجارة أو عمل، أو غير ذلك من العهود المعروفة، وسواء كانت هذه العقود والعهود والوعود مبرمة بين المسلم وأخيه المسلم، أو بين المسلم وغير المسلم... فالوفاء واجب مع الجميع. وليعلم العبد أنه سيسأل عن وُعُودِه وعُهودِه يوم القيامة، فقد قال عز وجل:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]. ما صفات المنافقين - موضوع. وقوله: " وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ ". فمن علامات المنافقين أنهم يخونون في الأمانة. وربنا سبحانه وتعالى يأمرنا بأداء الأمانة، وينهانا عن خيانتها، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدّواْ الأَمَانَاتِ إلى أهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].
[١١] مرض القلب لقد ذكر الله في كتابه المجيد صفةً من صفاتِ المنافق وهي مرض القلبِ حيث قال -تعالى-: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ، [١٢] وهذا المرضُ يعدُّ فسادًا في قلبِ المنافقِ يجعل إدراكه مختلًا، فتراه يحبُّ الباطلَ ويكرهَ الحقَّ، بالإضافةِ إلى أنَّ أدنى الشبهات والشهواتِ تؤثر في قلبه. [١٣] كما أنَّ المنافقَ يكونُ متشككًا في كلِّ شيءْ وفاقد الإيمانِ بأيِّ شيءٍ، فيكون في غربةٍ عن الحقِّ وأهله، كما أنَّه يغتمَّ ويهتمَّ بظهورِ أمرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم ونصرته على أعدائه وأعداء الدينِ. [١٤] الاستهزاء بالمؤمنين ومن صفاتِ المنافقين التي تحدَّث القرآن الكريمَ عنها هي استهزائهم بالمؤمنين، حيث قال -تعالى-: (إِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ)، [١٥] فهم يُظهرونَ إيمانهم للمؤمنينَ ويخفونَ كفرهم، وما أن يختلي المنافقون برؤساء الكفار يخبرونهم أنَّهم معهم وأنَّ إظهار إيمانهم إنَّما هو من باب الاستهزاءِ بالمؤمنين، وهدفهم من ذلك الأمن من القتالِ وتحقيق مصالحٍ ماديةٍ عن طريق الصدقاتِ والغنائم.
ولما احتلت الدول الكافرة الباغية بعض بلدان المسلمين فرح المنافقون وشمتوا ودبجوا المقالات دفاعا عن الغازي المحتل الغاشم الذي جاء لينشر السلام!!! زعموا. هذه أبرز الصفات النفاقية التي شابه فيها منافقو زماننا -بل فاقوا فيها- سلفهم المنافقين الأولين، وهي على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وإلا فهنالك صفات أخرى كثيرة تشابه فيها المعاصرون مع الأولين، أذكر بعضها فيما يلي على وجه الاختصار والسرعة. لا يذكرون الله إلا قليلا أ- قلة ذكر الله عز وجل: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:142]، والمتتبع لمقالات المنافقين الجدد ومواقعهم وكتبهم لا يكاد يجد فيها ذكر الله عز وجل أو أحد أسمائه الحسنى، وتكاد تخلو من آية من كتاب الله أو حديثا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. بينما نجد أسماء فلاسفة الغرب کھیجل وانشتاین ولوثر يتكرر كثيرا في كتبهم، ويطعمون ذلك ببعض فلاسفة العرب المنحرفين كابن رشد، وابن سينا، والراوندي. من اعظم صفات المنافقين الذميمه. الإفساد غايتهم ب- ادعاؤعم الإصلاح في مشاريعهم الإفسادية ، ولا سيما مما يدعون إليه من تغريب المجتمع، وجعله تابعا لكفار الغرب في قيمه وسلوكه، وهذا واضح جدا في كتاباتهم، بل صرح بعضهم بذلك، حيث جعل قدوته وقبلته الغرب، فدعى بكل صفاقة إلى التغريب، هائما في حبهم، متهالكا في دعوته وإفساده.
أيها الناس: لا عدو أشد على المؤمنين من المنافقين ، ولا صفة أقذر وأحط من النفاق؛ لأن النفاق يجمع أصول الرذائل كلها من الكذب والجبن والغدر والخيانة والفجور؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف المنافق: " إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" رواه الشيخان. وكل فتنة تُشعل في بقعة فيها مسلمون فلا بد أن يكون للمنافقين فيها كيد ومكر؛ لأنهم قوم تخلقوا بالجبن والبخل، فلا يحسنون إلا الخيانة والغدر، وقد جلى الله تعالى في كتابه الكريم علاقة المنافقين بالفتن التي تصيب المؤمنين في دينهم ودنياهم، وفي دولهم ومعايشهم، وبين سبحانه ذلك أحسن بيان؛ ليحذر المؤمنون من غدر المنافقين وفتنتهم، ويتقوا كيدهم ومكرهم.