أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان، ورأيت في مكان آخر: رزيق بن أسعد بن رادويه، وفي مكان آخر: أسعد بن زاذان-والله أعلم-وقيل مصعب بن طلحة بن رزيق الخزاعي بالولاء الملقب ذا اليمينين؛ كان جده رزيق بن ماهان مولى طلحة الطلحات الخزاعي المشهور بالكرم والجود المفرط، وكان طاهر من أكبر أعوان المأمون، وسيره من مرو كرسي خراسان لما كان المأمون بها إلى محاربة أخيه الأمين ببغداد لما خلع المأمون بيعته، والواقعة مشهورة، وسير الأمين أبا يحيى علي بن عيسى بن ماهان لدفع طاهر عنه، فتواقعا وقتل علي في المعركة. ذكر ابن العظيمي الحلبي في تاريخه أن الأمين وجه علي بن عيسى بن ماهان لملاقاة طاهر بن الحسين، فلقيه بالري فقتل علي بن عيسى لسبع خلون من شعبان سنة خمس وتسعين ومائة. قلت: وذكر الطبري في تاريخه هذه الواقعة في سنة خمس وتسعين، ولم يعين الشهر، لكنه قال: إنه قتل في الحروب، وسير طاهر بالخير إلى مرو، وبينهما نحو مائتين وخمسين فرسخاً، فسار الكتاب ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد، ولم يذكر في أي شهر، فوصلهم يوم الأحد، ثم قال بعد هذا: وخرج علي بن عيسى من بغداد لسبع ليال خلون من شعبان من سنة خمس وتسعين.
وكان المأمون أكبر من الأمين ويرى نفسه أجدر بالخلافة من أخيه لذا فلقد عمل المأمون على ترسيخ أقدامه في خراسان واستعان على ذلك بشخصيات قوية أمثال الفضل بن سهل وكان داهية ذا فطنة وفراسة عظيمة فاكتشف مهارة طاهر بن الحسين وتفرس فيه النباهة وعلو الهمة فلما قام المأمون بدعوة الناس لبيعته وخلع الأمين عين طاهراً قائداً على جيوش خراسان بناءا على نصحية الفضل بن سهل المسيطر الحقيقي على مقاليد الأمور والمحرك لها.
ثم اتبع ذلك بالأخذ بسنن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والمثابرة على خلائقه، واقتفاء أثر السلف الصالح من بعده)). وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله (عز وجل) وتقواه، وبلزوم ما أنزل الله (عز وجل) في كتابه من أمره ونهيه وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم قُمْ فيه بالحق لله (عز وجل)، ولا تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو لبعيد.
فقامت العين بنقل ذلك الخبر للمأمون وفي نفس اليوم أصبح طاهر ميتاً في فراشه ولما وصل الخبر للمأمون قبل يديه ظهراً لوجه ثم قال 'الحمد لله الذي خدمه وأضرنا' واختلف الناس في سبب وفاته فقال البعض أن المأمون قد سمه عن طريق أحد خدامه خوفاً من خروج طاهر عليه واعتذر هؤلاء للمأمون أن الخروج على الخليفة يبيح دم الخارج وقال البعض الآخر أنه مات بالحمى والله أعلم بالحقيقة وتولى من بعده طلحه والعجيب في الأمر انه تولى بأمر من الخليفة العباسي المأمون وظل الطاهريون يحكمون خراسان ولكن يتابعون الدولة العباسية تبعيه اسميه. كانت الدولة العباسية في بعض الأحيان تطلب المسانده والمساعده من الدولة الطاهريه للتصدى لبعض الثورات التي كانت تقوم ضدها ومن أشهر هذه الفتن والثورات الثورة التي قام بها نصر بن شبث في شمال حلب في 209هـ وتصدى لها عبد الله بن طاهر وعاد بنصر بن شبث اسيرا وأيضا اشترك عبد الله في اخماد ثوره حدثت ضد الخليفة المعتصم في طبرساتان وظل الطاهريون على ولائهم للعباسين إلى ان انتهت الدولة الطاهريه وقامت على انقاضها دوله جديده وهى الدولة الصفاريه. منقول
حكى كلثوم بن ثابت متولي بريد خراسان قال: صعد طاهر المنبر يوم الجمعة وخطب، فلما بلغ ذكر الخليفة أمسك، فكتب بذلك إلى المأمون على خيل البريد، واصبح طاهر يوم السبت ميتاً فكتب أيضاً بذلك، فلما وصلت الخريطة الأولى إلى المأمون دعا أحمد بن أبي خالد وقال: اشخص الآن فأت به كما ضمنت، واكرهه على المسير في يومه، ثم بعد شدائد أذن له في المبيت، ثم وافت الخريطة الثانية من يومه بموته، وقيل: إن الخادم سمه في كامخ. ثم إن المأمون استخلف ولده طلحة على خراسان، وقيل إنه جعله خليفة بها لأخيه عبد الله بن طاهر الآتي ذكره، وتوفي طلحة سنة ثلاث عشرة ومائتين ببلخ. واختلفوا في تلقيبه بذي اليمينين لأي معنى كان، فقيل لأنه ضرب شخصاً في وقعته مع علي بن ماهان كما تقدم فقده نصفين، وكانت الضربة بيساره، فقال فيه بعض الشعراء: كلتا يديك يمين حين تضربه فلقبه المأمون "ذا اليمينين"، وقيل غير ذلك. وكان جده مصعب بن رزيق كاتباً لسليمان بن كثير الخزاعي صاحب دعوة بني العباس، وكان بليغاً، فمن كلامه: ما احوج الكاتب إلى نفس تسمو به إلى أعلى المراتب، وطبع يقوده إلى أكرم الأخلاق، وهمة تكفه عن دنس الطمع ودناءة الطبع. وبوشنج: بضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وسكون النون وبعدها جيم، وهي بلدة بخراسان على سبعة فراسخ من هراة.