ألم تتفكر يا عبد الله لحظةً في كيفية إنشاء الله لهذا السحاب؟! ألم تعلم أن اللهَ –سبحانه- يُنشئ الماءَ في السحاب إنشاءً: تارة يقلبُ الهواء ماءً، وتارةً يحمله الهواءُ من البحر، فيلقِّح به السحاب، ثم يُنزِل منه على الأرض، للحِكَم التي ذكرناها، ولو أنه ساقه من البحر إلى الأرض جارياً على ظهرها لم يحصل عمومُ السَّقْي إلا بتخريب كثيرٍ من الأرض، ولم يحصل عمومُ السقي لأجزائها، فصاعدَهُ سبحانه إلى الجو بلطفه وقدرته، ثم أنزله على الأرض، بغايةٍ من اللطف والحكمة التي لا اقتراح لجميع عقول الحكماء فوقها، فأنزله ومعه رحمتُه على الأرض. ثم تأمل -وأنت ترى هذه النعمة- الحكمةَ البالغةَ في إنزاله بقدر الحاجة، حتى إذا أخذت الأرضُ حاجتَها منه، وكان تتابُعه عليها بعد ذلك يضرّها أقلَعَ عنها وأعقبَه بالصحو! ثم تفكّر في تَعاقُب الصحوّ والغيم على العالم، وما في ذلك مِن صلاحِه، وتخيّل حالَ الأرض لو دام أحدُهما؟! فلو توالت الأمطارُ لأهلكت ما على الأرض، ولو زادت على الحاجة لأفسدتِ الحبوبَ والثمار، وعفنت الزروع والخضروات، وأرخت الأبدان، وحشرت الهواء؛ فحدثت ضروبٌ من الأمراض، وفسد أكثرُ المآكل، وتقطّعت المسالكُ والسبل! ايه عن المطر غزيرا. ولو دام الصحوُ لجفّت الأبدان، وغِيض الماء، وانقطع مَعينُ العيونِ والآبار والأنهار والأودية، وعَظُم الضرر، واحتدم الهواءُ فيَبِس ما على الأرض، وجفّت الأبدان، وغلب اليبس، وأحدث ذلك ضروباً من الأمراض عَسِرة الزوال!
وفي سورة الشورى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]. وفي سورة النور: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ * يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور:43 - 44]. عبادة التفكر في الآيات الكونية.. آية المطر، ونبات الأرض. فهو - سبحانه - الذي يسوق القِطَع من السحاب، ثم يؤلِّف بينها، فيجعله سحابًا متراكمًا مثل الجبال، ثم يَنزل المطر منه نقطًا مُتفرِّقة؛ ليحصل بها الانتفاع من دون ضررٍ، وتارة يُنزل الله من ذلك السحاب بردًا يُتلف ما يُصيبه، فيُصيب به مَن يشاء، ويَصرفه عمَّن يشاء، يكاد ضوء بَرقه يَذهب بالأبصار من شدَّته. وفي سورة الأعراف: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].
كما جاءت كلمة (الغيث) في القرآن الكريم للدلالة على ﺍﻟﻤاء ﺍﻟﻨﺎﺯﻝ ﻣﻦﺍﻟﺴماء ﻟﺴﻘﻲ اﻷﺭﺽ واﻷﻧﻌﺎﻡ، فان كلمة الغيث أصرح في الرحمة لما فيها من معنى الإغاثة كما في قوله تعالى: 1- {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(34) سورة لقمان. 2- {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(20) سورة الحديد. كما وجاءت أشارة للدلالة على الماء في قوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (5) سورة الجاثية.
13-سورة الرعد 12 ﴿12﴾ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ هو الذي يريكم من آياته البرق -وهو النور اللامع من خلال السحاب- فتخافون أن تنزل عليكم منه الصواعق المحرقة، وتطمعون أن ينزل معه المطر، وبقدرته سبحانه يوجد السحاب المحمَّل بالماء الكثير لمنافعكم. 24-سورة النّور 40 ﴿40﴾ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج، من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد.
اهـ. إخوة الإيمان: دخول فصل الشتاء آية من آيات الله، لا بد أن يذكّر المؤمن بالله، ويذكّره بقدرة الله وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه؛ فيزيد إيمانه ويقينه، ويرتبط قلبه بخالق الأرض والسماء. إن بين أيدينا نعمًا لا يُدركُ عظيم قدرها إلا من حُرمها، فاسألوا من جفت أرضهم حتى تشققت وتقطعت عطشا، اسألوا من انقطع عنهم القطر من السماء وغارت فيهم المياه، كيف حالهم ومآلهم؟! نسأل الله السلامة. الجدب والجفاف حليفهم، الأرض تتقطع، والزرع يموت، والضرع يجف، تنتشر المجاعات، تموت المخلوقات من إنس ونبات وحيوان ويتوقف نموّها، إلى أن يأذن الله بعوْدة نعمه وجميل رحمته وفضله، لنتذكر لو أن الله منع عنا هذا الماء الذي به حياة جميع الكائنات، كيف تكون حياتنا ومعيشتنا؟ اللهم رحمتك نرجو، ونسألك اللطف بنا. آيات نزول المطر☔.. - YouTube. إخوة الإيمان: كيف لو نظر الله -تعالى- بعين العدل لأهل الأرض، وجازى كل نفس بما كسبت في هذه الدنيا؟ فرأى الكفر في كل مكان، وقد خلق الله الخلق لعبادته فكفروا وأشركوا، بل وقتلوا أولياءه وأحباءه وحاربوهم ليغيروا دينهم! وهو -تعالى- مطّلع عليهم، شاهد لأعمالهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- " ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم، ويرزقهم ".
عباد الله، ما أحرَانا بالتفكُّر فيما حولنا من بديع صُنع الله تعالى، وفي كلِّ شيء له آية تدلُّ على أنه واحد. اللهمَّ اجْعَلنا من عبادك الذاكرين الشاكرين، المُتفكِّرين في آلائك، الشاكرين لنَعمائك.