فقال ( عليه السلام): أحسنت والله يا قيس وأجملت. وبالإضافة لما تقدم كان قيس صاحب ملكات أدبية وشعرية ، إذ كانت خُطَبُهُ صواعق تسقط على رؤوس الجبابرة ، وكانت قصائده الشعرية تدفع رؤوس النفاق والخذلان. مواقفه: عاصر قيس بن سعد بن عبادة أحداثاً حساسة ، بدءاً بالعصر الجاهلي ، ومروراً بانبثاق الإسلام. ثم ما جرى بعد رحيل رسول الرحمة ( صلى الله عليه وآله) من الوقائع الخطيرة حتى مقتل عثمان ، وخلافة أمير المؤمنين ( عليه السلام) وشهادته. ثم مبايعة المسلمين للإمام الحسن ( عليه السلام) ، وتخاذلهم فيما بعد ، إلا قليل منهم. وسنتكلم عن مواقفه في كل دور من تلك الأدوار ، وحسب تسلسلها: أولاً: في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله) كان خادماً له عشر سنين ، وشاهداً معه حروبه ومشاهده كلها ، فكان ناصر الإسلام وحاميه ، وسيَّافاً بمنزلة صاحب القوات الداخلية. وكان حامل راية الأنصار ، وصاحب لواء النبي ( صلى الله عليه وآله) في بعض مغازيه. فكان أميراً على سريَّة ( الخَبط) ، حاملاً للراية يوم الفتح بعد أن تسلَّمَها من أبيه. ثانياً: كانت له مواقفه الحازمة بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله) ، فثبت على ما أوصى به في الخلافة والإمامة ، وحمى أباه من الغدر به ، وشهد فتح مصر عام ( 19) من الهجرة ، وكان من الثائرين على الانحراف.
[٤] قيس بن سعد بن عبادة ومعاوية رُوي أنّ قيس بن سعد بن عبادة كان مع الحسن بن علي رضي الله عنهما، ومعهم خمسة آلاف، وكانوا قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي رضي الله عنه وتبايعوا على الموت، وعندما بايع الحسن معاوية على الخلافة، رفض قيس البيعة، وقال لأصحابه: (ما شئتم إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا وإن شئتم أخذت لكم أماناً)، فطلبوا منه أن يأخذ لهم الأمان، ففعل بذلك.
أمَّا وفاته: فإنَّه بعد حادثة صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان رجع قيس بن سعد إلى المدينة، وانشغل بالعبادة والدعاء إلى أن توفِّي (رحمه الله) في آخر ملك معاوية، بما يقارب سنة تسع وخمسين أو سنة ستين للهجرة على أصحِّ الآراء في المدينة المنورة([32]).
ولما استشهد الخليفة علي بايع ابنه الحسن وقاد خمسة آلاف رجل لحرب معاوية، لكن الحسن آثر أن يحقن دماء المسلمين فتفاوض مع معاوية وبايعه على الخلافة، وتنازل عنها، فرجع قيس إلى المدينة، وجمع قومه وخطب فيهم وقال: إن شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا، فاختار جنوده الأمان وقالوا: خذ لنا أمانًا. فأخذ لهم الأمان من معاوية. [ابن عساكر]. قصته مع أطول رجل في الروم [ عدل] قيل أن ملك الروم بعث إلى معاوية برجلين من جيشه يزعم أن أحدهما أقوى الروم، والآخر أطول الروم فانظر هل في قومك من يفوقهما في قوة هذا وطول هذا؟ فإن كان في قومك من يفوقهما بعثت إليك من الأسرى كذا وكذا ومن التحف كذا وكذا، وإن لم يكن في جيشك من هو أقوى وأطول منهما فهادني ثلاث سنين. فلما حضرا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ماله إلا أحد رجلين، إما محمد بن الحنفية، أو عبد الله بن الزبير، فجيء بمحمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب. فلما اجتمع الناس عند معاوية قال له معاوية: أتعلم فيم أرسلت إليك؟ قال: لا! فذكر له أمر الرومي وشدة بأسه. فقال للرومي: إما أن تجلس لي أو أجلس إليك وتناولني يدك أو أناولك يدي، فأينا قدر على أن يقيم الآخر من مكانه غلبه، وإلا فقد غُلب.