الرئيسة \ قطوف وتأملات \ أدب وسياسة... ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) زهير سالم* ورهط الرجل في لغة العرب: قومه وعشيرته الأدنون. فبنو هاشم مثلا هم رهط النبي في قريش. وقال سيدنا شعيب عندما قالوا له ( وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) قال (يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّه) والرهط في لغة العرب: رمز في العدد من الثلاثة إلى العشرة. فهو مثل البضع. وقيل بل من السبعة إلى العشرة. وقيل في الآية: "بضعة رهط" تسعة أشخاص، أو تسعة أنفار. وقال بعض المفسرين وأهل النحو واللغة المقصود "رهط تسعة" وهذا يسميه أهل النحو المقلوب. على طريقة من قال: ومهمه مغبرة أرجاؤه.. كأن لونَ أرضه سماؤه. يقصد كأن لونَ سمائه لونُ أرضه لكثرة الغبار. ومنه - أي من المقلوب- أدخلت الخاتم في أصبعي، والمقصود أدخلت أصبعي في الخاتم. "وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون" - جريدة الغد. وكذا أدخلت القبعة في رأسي، والمقصود: أدخلت رأسي في القبعة. وعلى هذا خرّجوا قوله تعالى: وكان في المدينة تسعة رهط. أي رهط تسعة. أي تسعة أشخاص من أهل العرامة والفساد. وكان كبيرهم المسمى "قُدار" حسب كتب التفسير، هو الذي عقر الناقة. وهو الذي رمز له القرآن الكريم في موضع آخر بقوله ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا، إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا) فأشقاها هو قُدار.
وفي سورة القصص نموذجان آخران للقيادة السياسية الفاشلة، حيث فرعون الطاغية: "إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، يذبِّح أبناءهم ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين"، ونموذج فاسد آخر حيث طغيان المال، الذي جر قارون إلى البغي، وحذره قومه من ابتغاء الفساد في الأرض. هي سور ثلاث متتابعة متكاملة، تحكي أسباب بقاء الأمم أو زوالها، وأهمية وجود القيادة السياسية والعسكرية السليمة، بما معها من أجنحة الشورى والإتقان والجندية المقتدية بنماذج صالحة مصلحة، وخطورة الفساد وشيوعه، فهو يبدأ بسيطا، ثم لا يلبث أن يتمكن خطوة خطوة، حين يألفه الناس ولا ينكرونه، وهو من أكد أسباب زوال الأمم واندحارها. يخبر الله تعالى عن تسعة رهط مفسدين في ثمود، وهم أصحاب الحجر أيضا، تسعة فقط، لكنهم رؤوس لغيرهم من أتباعهم، مهمتهم الإفساد، استطاعوا تكوين مجتمع الفساد، تجرؤوا على الباطل، وتحدوا نبيهم، ومنهم الذي عقر الناقة، وهموا بقتل نبيهم صالح، حين هموا بتنفيذ جريمتهم وتبرئة أنفسهم منها بطريقة الخداع، ثم استأصلهم العذاب. هي خطورة انتشار الفساد في المجتمع، حين يألفه الناس، خاصة إن اجتمع معه الظلم، فهو مؤذن بزوال تلك الأمة أو ذاك المجتمع، ولو وجد وحده فلا يمنع هذا من الاستئصال ولو بعد حين، ولا يجوز بحال أن يُشَرَّع الفساد ولا أن يُدافَع عنه باسم الحرية، ولا أن يُقْمع المصلحون، فوجودهم بحد ذاته وسيلة أمن لهذا المجتمع، إلا أنْ يكثر الخبث، فحينها قد يهلك الجميع كما هي سنة الله تعالى.
وقال الإمام مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أنه قال: قطع الذهب والورق من الفساد في الأرض. وفي الحديث - الذي رواه أبو داود وغيره -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس. والغرض أن هؤلاء الكفرة الفسقة ، كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها ، فمنها ما ذكره هؤلاء الأئمة وغير ذلك.