السؤال: ما صحة الحديث: " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم "؟ الإجابة: نعم، هذا ثابت ، كذلك -أيضاً- ثبت في مسند الإمام أحمد قول النبي: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده "، وفي هذا أحاديث كثيرة يشد بعضها بعضاً، نسأل الله السلامة. فالواجب على المسلمين أن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، كل واحد ينكر المنكر، لكن بما يستطيع، إذا كان يستطيع تغيير المنكر باليد، لكان صواباً، أمير أو شيخ قبيلة أو رجل في بيته يغيِّر باليد، إذا كان لا يستطيع ذلك عليه أن ينكر باللسان باللين والرفق. لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ - ملتقى الخطباء. وإذا عجز عن قول اللسان وترتب على هذا مفسدة أنكر بالقلب، لكن الإنكار بالقلب معناه أن يظهر علامة الإنكار على وجهه، تقطيب الوجه وتعبيس الوجه، ثم -أيضاً- يفارق المنكر ولا يجلس معه. وأما من جلس معهم ويزعم أنه ينكر بالقلب، فليس بصادق، قال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ}، فالإنسان إذا جلس مع أهل المنكر حكمه حكمهم، من جلس مع من يشرب الخمر إذا كان يستطيع الخروج، إذا كان يستطيع القيام، لا بد أن يقوم، إذا دعي الإنسان إلى وليمة وفيها منكر ينكر، المنكر إن زال وإلا ينصرف ويكون هذا عذراً له.
عباد الله:إن الهيئات كثيرةٌ ولكن ليست كهيئتنا والاحتساب كثير وليس كاحتساب رجال الهيئة والسفن كثيرة ولكن ليست كسفينتنا التي تحمل بين جنباتها الأمن والأمان والنجاة من كل البدع والخرافات والفساد والمعاصي والآثام ومن كل المحرمات وغيرها بإذن الله. عباد الله:الهيئة صمام أمان لمن يعيش في هذه البلاد فالذي يكره هذا الهيئة ويُبغضها ويكون في صدره حرجٌ منها أو يزعم أن الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر كَبتًا لحريّات الناس وظلمًا لهم وسلبًا لحريّاتهم وخصوصيّاتهم ويرى ويشجع بل ويحرض على أنّ تعطيل هذه الهيئة هو إعطاءُ النفوس حُرّياتِها لتعمل ما تشاء لا شكَّ أنّ هذا تصوُّر خاطئ ، ودليل على عمَى البصيرة قبل البصر قال تعالى: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8]. عباد الله: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبُ على كل مسلم بحسب استطاعته فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ » رواه مسلم.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب العافية والسلامة من العقوبات العامة، وتقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، فقالت له زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال النبي ﷺ: نعم، إذا كثر الخبث ، وتقدم ما يروى عنه أنه ﷺ قال: لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد السفيه، ولتأطرنه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم يلعنكم كما لعنهم. فالواجب على المؤمنين جميعًا: التآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، والحذر من الإعراض عن ذلك، والتساهل في ذلك، فإن خطره عظيم. ويقول ﷺ: لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ، يعني: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب حلول العقوبات، ومن أسباب عدم إجابة الدعاء. وتقدم قوله ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ، فالواجب على مَن له قدرة –كالسلطان، والأمير، والإنسان في بيته، والهيئة على حسب صلاحيتها- أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالفعل والقول جميعًا، أما مَن ليس له سلطة فإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالكلام والرفق والحكمة، فإن عجز فبالقلب، يكرهه بقلبه، ولا يحضر المنكر.
[ القول في تأويل قوله تعالى: ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين ( 29)) قال أبو جعفر: وهذا فيما ذكر عن ابن عباس ، خبر من الله تعالى ذكره عن قيل الشاهد أنه قال للمرأة وليوسف. يعني بقوله: ( يوسف) يا يوسف ( أعرض عن هذا) ، يقول: أعرض عن ذكر ما كان منها إليك فيما راودتك عليه ، فلا تذكره لأحد ، كما: - [ ص: 61] 19136 - حدثنا يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد في قوله: ( يوسف أعرض عن هذا) ، قال: لا تذكره ، ( واستغفري) أنت زوجك ، يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبت ، وأن يصفح عنه فيستره عليك. ( إنك كنت من الخاطئين) ، يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه. يوسف اعرض عن هذا. يقال منه: " خطئ " في الخطيئة " يخطأ خطأ وخطأ " كما قال جل ثناؤه: ( إن قتلهم كان خطئا كبيرا) [ سورة الإسراء: 31] ، و " الخطأ " في الأمر. وحكي في " الصواب " أيضا " الصواب " ، و " الصوب " ، كما قال: الشاعر: لعمرك إنما خطئي وصوبي علي وإن ما أهلكت مال وينشد بيت أمية: عبادك يخطئون وأنت رب بكفيك المنايا والحتوم [ ص: 62] من " خطئ الرجل ". وقيل: ( إنك كنت من الخاطئين) ، لم يقل: من الخاطئات ، لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء ، وإنما قصد به الخبر عمن يفعل ذلك فيخطأ.
هذا ومن العبر والعظات والأحكام التي نأخذها من هذه الآيات الكريمة:1- أن اختلاط الرجال بالنساء. كثيرا ما يؤدى إلى الوقوع في الفاحشة وذلك لأن ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل أمر طبيعي، وما بالذات لا يتغير. ووجود يوسف- عليه السلام- مع امرأة العزيز تحت سقف واحد في سن كانت هي فيه مكتملة الأنوثة، وكان هو فيها فتى شابا جميلا... أدى إلى فتنتها به، وإلى أن تقول له في نهاية الأمر بعد إغراءات شتى له منها: «هيت لك». ولا شك أن من الأسباب الأساسية التي جعلتها تقول هذا القول العجيب وجودهما لفترة طويلة تحت سقف واحد. لذا حرم الإسلام تحريما قاطعا الخلوة بالأجنبية، سدا لباب الوقوع في الفتن، ومنعا من تهيئة الوسائل للوقوع في الفاحشة. تفسير قوله تعالى: يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك. ومن الأحاديث التي وردت في ذلك ما رواه الشيخان عن عقبة بن عامر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار، أفرأيت الحمو يا رسول الله؟ قال: الحمو الموت ». والحمو هو قريب الزوج كأخيه وابن عمه. وسئلت امرأة انحرفت عن طريق العفاف، لماذا كان منك ذلك فقالت: قرب الوساد، وطول السواد. أى: حملني على ذلك قربى ممن أحبه وكثرة محادثتى له! 2- أن هم الإنسان بالفعل، ثم رجوعه عنه قبل الدخول في مرحلة التصميم والتنفيذ، لا مؤاخذة فيه.
* * *، (إنك كنت من الخاطئين), يقول: إنك كنت من المذنبين في مراودة يوسف عن نفسه. * * *يقال منه: " خَطِئ" في الخطيئة " يخطَأ خِطْأً وخَطَأً" (54) كما قال جل ثناؤه: إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [سورة الإسراء: 31]، و " الخطأ " في الأمر. وحكي في" الصواب " أيضًا " الصوابُ"، و " الصَّوْبُ"، (55) كما قال: الشاعر: (56)لَعَمْرُكَ إِنَّمَا خَطَئِي وَصَوْبِيعَلَيَّ وَإِنَّ مَا أَهْلَكْتُ مَالُ (57)وينشد بيت أمية:عِبَادُكَ يُخْطِئُونَ وَأَنْتَ رَبٌّبِكَفَّيْكَ الْمَنَايَا وَالْحُتُومُ (58)من خطئ الرجل. * * *وقيل: (إنك كنت من الخاطئين) ، لم يقل: من الخاطئات, لأنه لم يقصد بذلك قصد الخبر عن النساء, وإنما قصد به الخبر عمَّن يفعل ذلك فيخطَأ. * * *----------------------الهوامش:(53) انظر تفسير" الإعراض" فيما سلف 15: 407 ، تعليق: 1 ، والمراجع. (54) انظر تفسير" خطئ" فيما سلف 2: 110 / 6: 143. (55) في المطبوعة والمخطوطة:" أيضًا الصواب ، والصوب" ، وكأن الصواب ما أثبت. وأخشى أن يكون:" والخطأ" و" الخطاء" في الأمر ، وحكي في" الصواب... " ، يعني المقصور و الممدود. (56) هو أوس بن غلفاء. (57) نوادر أبي زيد: 47 ، طبقات فحول الشعراء: 140 ، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 241 ، اللسان ( صوب) ، من أبيات يقولها لامرأته:أَلا قالَتْ أُمَامَةُ يَوْمَ غُوْلٍ:تَقَطَّعَ بِابنِ غَلْفاء الحِبالُذَرِيني إنَّما خَطَئِي وصَوْبي................... فَإِنْ تَرَنِي أُمَامَة قَلَّ مالِيوَأْلَهانِي عَنِ الغَزْوِ ابْتِذَالُفَقَدْ ألْهُو مَعَ النَّفَرِ النَّشَاوَىلِيَ النَّسَبُ المُوَاصَلُ والخِلالُ(58) ديوانه: 4 ، واللسان ( خطأ) ، ( حتم) ، وقبل البيت:سَلامَكَ رَبَّنا فِي كُلِّ فَجْرٍبَرِيئًا ما تَلِيقُ بِكَ الذًّمُومُوبعده:غَدَاةَ يَقُولُ بَعْضُهُمْألاَ يَاليْتَ أُمَّكُمُ عَقِيمُ.