بالطريقة نفسها، ينطلق بعضهم بأفكار ونوايا جيدة مثل حماية الوحدة الروحية، وتوفير النظام والانتظام، ومضاعفة الخدمات، ويعتقدون أنهم يقومون بأعمال جيدة لتحقيق هذه الأفكار.. غير أنهم يتخبطون يمنة ويسرةً خبطَ عشواء ولا يتركون قلبًا إلا وقد آلموه وكسروه بسلوكهم الفظ الغليظ، ولا يمنحون أحدًا الفرصة للحديث عن خطئهم؛ لأنهم لا يستطيعون تحمل ذلك، وحتى وإن حسِبوا أنهم بطريقتهم هذه يفعلون خيرًا للأمة، فقد أسسوا بنيانهم على الخسران لأنهم اتصفوا بصفات الكافرين. يا له من خسران أن تضيع هباءً كلُّ أعمال شخص يعتقد أنه يقوم بأعمال طيبة في هذا العالم، وأنه يصب ثواب هذه الأعمال الصالحة في حوض فيرسله إلى الآخرة ليحصل على ثوابه يوم القيامة، ثمّ يرحل إلى الآخرة مفلسًا من الحسنات؛ لأنه أدخل الرياء والسمعة في أعماله، وأسّس بكل هؤلاء عالمًا من المصالح في الدنيا!
وقال علي: هم الخوارج، وقال مرة: هم الرهبان أصحاب الصوامع.. قال ابن عطية: ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك: (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم) وليس من هذه الطوائف من يكفر بالله ولقائه، وإنما هذه صفة مشركي مكة عبدة الأوثان، وعلي وسعد رضي الله عنهما إنما ذكروا أقواماً أخذوا بحظ من هذه الآية. والله أعلم.
ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه ، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة. وعنى بقوله: ( أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) عملا والصُّنع والصَّنعة والصنيع واحد، يقال: فرس صنيع بمعنى مصنوع.
أ- جمهور النحاة أنها تنصب مفعولين أصلهما (مبتدأ وخبر). ب- وقف بعضهم موقف المعارضة، وزعم أن معموليها قد لا يكونان مبتدأ وخبرا، وقدم كل فريق بين يديه من الأدلة ما يؤيد رأيه، ويدفع مقالة الآخر. ولكل وجهة هو مولّيها فاستبق الحق إذا اتضح ذلك.. إعراب الآية رقم (102): {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (102)}. الإعراب: الهمزة للاستفهام التوبيخيّ الفاء استئنافيّة، وعلامة النصب في (يتّخذوا) حذف النون (عبادي) مفعول به أوّل، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على ما قبل الياء (من دوني) متعلّق ب (أولياء) وهو مفعول به ثان، وهو ممنوع من التنوين لأنّه ملحق بالمؤنّث الممدود (إنّا) حرف مشبّه بالفعل واسمه (للكافرين) متعلّق بحال من (نزلا) وهو مفعول به ثان عامله أعتدنا. والمصدر المؤوّل (أن يتّخذوا... ) سدّ مسدّ مفعولي حسب. جملة: (حسب الذين كفروا... وجملة: (كفروا... ) لا محلّ لها صلة الموصول (الذين). تفسير قوله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. وجملة: (يتّخذوا... وجملة: (إنّا أعتدنا... وجملة: (أعتدنا... ) في محلّ رفع خبر إنّ.. إعراب الآيات (103- 104): {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)}.
اللهم ارزُقنا الفردوس الأعلى من الجنّة، ونسألك الثّواب الوفير والأجر الكثير، والرّحمة والمغفرة من ربّ العالمين. اللهم آتنا في الدُّنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النّار. اقرأ أيضًا: دعاء لابي في ليلة القدر مكتوب ومن خلال هذا المقال يُمكننا التعرُّف على دعاء لنفسي في ليلة القدر مكتوب ، وأفضل الأدعية التي يُردّدها المُسلمون في ليلة القدر، و دعاء ليلة القدر مُستجابة، وأجمل الأدعية الطويلة التي تُقال في تلك الليلة المُباركة، ودعاء ليلة القدر مكتوب، وأجمل ما قيل من الأدعية في ليلة القدر.
الإعراب: (هل) حرف استفهام (بالأخسرين) متعلّق ب (ننبّئكم)، وعلامة الجرّ الياء (أعمالا) تمييز منصوب. جملة: (قل... وجملة: (ننبّئكم... 104- (الذين) موصول في محلّ جرّ نعت للأخسرين، أو بدل منه، أو عطف بيان، (في الحياة) متعلّق بحال من الضمير في سعيهم، وعلامة الجرّ في (الدنيا) الكسرة المقدّرة على الألف الواو واو الحال.. والمصدر المؤوّل (أنّهم يحسنون) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يحسبون. (صنعا) مفعول به منصوب عامله يحسنون. وجملة: (ضلّ سعيهم... وجملة: (هم يحسبون... ) في محلّ نصب حال من الضمير في سعيهم. وجملة: (يحسبون... ) في محلّ رفع خبر المبتدأ (هم). وجملة: (يحسنون... ) في محلّ رفع خبر (أنّ). الصرف: (الأخسرين)، جمع الأخسر اسم تفضيل من خسر الثلاثيّ، وزنه أفعل، وقد جمع لأنه تبع ما قبله في المعنى أي: بمن هم الأخسرون أعمالا، وقد يراد به مطلق الوصف لا التفضيل أي بالخاسرين في أعمالهم. (سعيهم)، مصدر سماعيّ لفعل سعى الثلاثيّ، وزنه فعل بضمّ فسكون، (صنعا)، مصدر سماعيّ لفعل صنع الثلاثيّ، وزنه فعل بضمّ فسكون، وثمّة مصدر آخر بفتح الصاد. البلاغة: الجناس الناقص: في قوله تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
جملة ما ذكر في سورة الكهف جملة نقول في كل ما مر معنا: إن سورة الكهف سورة مكية من التلاد الأول أي بمعنى: أنها من أوائل ما أنزل كما عبر عنها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، وقراءتها يوم الجمعة سنة تضيء لصاحبها نوراً، وهذه السورة ضمنها الله جل وعلا أجوبة على سؤالين سألهما القرشيون بناء على مشورة اليهود، الأول منهما عن فتية ضاعوا في غابر الأزمان، وهم الذين سميت السورة باسمهم. والأمر الثاني: عن ملك طواف وهو ذو القرنين. وبقي لهم سؤال ثالث كانت الإجابة عنه في سورة الإسراء قال الله جل وعلا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85]. وقد ذكر الله جل وعلا في هذه السورة خبر نبيه موسى بن عمران عليه السلام لكنه ما كان في سورة الكهف ما جرت العادة في ذكره من نبأ موسى مع فرعون وإنما ذكر الله جل وعلا خبر موسى مع العبد الصالح الخضر، وخبر موسى مع العبد الصالح الخضر لم يتكرر في القرآن ولم يذكر إلا في موطن واحد وهو سورة الكهف، وكذلك خبر ذي القرنين ، فإنه لم يذكر إلا في سورة الكهف، أما خبر يأجوج ومأجوج فقد ذكر في سورة الكهف وذكر في سورة الأنبياء؛ لأن الحديث عن أشراط الساعة حديث متكرر في القرآن فبديهي أن ينتقل من موضع إلى موضع ومن سورة إلى سورة.