فوَاللهِ لَلموتُ معه أحَبُّ إلَيّ من الخُلد معكم. ثمّ أقبل زهير بن القين على الناس رافعاً صوتَه: عبادَ الله، لا يَغُرّنّكم عن دينكم هذا الجِلفُ الجافي وأشباهه، فوَاللهِ لا تَنال شفاعةُ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله قوماً هَرَقوا دماء ذريّتهِ وأهل بيته، وقتلوا مَن نَصَرهم وذَبَّ عن حَريمهم. فناداه رجل من أصحاب الحسين عليه السّلام: إنّ أبا عبدالله يقول لك: أقْبِلْ؛ فلَعَمري لئن كان مؤمنُ آلِ فرعون نَصَح لقومه وأبلَغَ في الدعاء ( أي الدعوة إلى الحق)، فلقد نَصَحتَ لهؤلاء وأبلَغْتَ لو نَفع النُّصحُ والإبلاغ! (7) إلى ساحة الوغى لأصحاب الإمام الحسين عليه السّلام حملةٌ كبرى في بدء نهار عاشوراء، اشتركوا فيها بأجمعهم، وصُرِع فيها أكثرهم على قلّتهم، فصاروا بعدها يَبرُزون وحداناً أو مَجاميعَ صغيرة.. وقد خرج الحرّ بن يزيد الرياحيّ للحرب، فكان زهير بن القين يحمي ظهره، فكان إذا شدّ أحدهما واستَلحَم شَدّ الآخرُ فاستَنقَذه.. حتّى استُشهد الحرّ رضوان الله عليه، فعاد زهير إلى موقعه يستعدّ لجولةٍ أخرى. زهير بن القين.. قائد ميمنة أنصار الحسين ع. وبعد الزوال.. خرج سلمانُ بن مُضارب البَجَليّ ـ وهو ابن عمّ زهير ـ فقاتل حتّى استُشهِد. بعده خرج زهير، فوضع يده على منكب الإمام الحسين عليه السّلام وخاطبه مُستئذناً: أقدِمْ هُدِيتَ هاديـاً مَهديّا فاليومَ ألقى جدَّك النبيّـا وحَسَناً والمرتضى عليّـا وذا الجَناحَينِ الفتَى الكميّا فقال له الحسين عليه السّلام: وأنا ألقاهما على أثرك.
[6] ثم ودّع زوجته وفي رواية قال لها: أنت طالق، فتقدمي مع أخيك حتى تصلي إلى منزلك، فإني قد وطنت نفسي على الموت مع الحسين. [7] وقال لمن كان معه من أصحابه: من أحبّ منكم أن يتبعني، وإلاّ فانّه آخر العهد. [8] ثم قال: إنّي سأحدّتَكم حديثا: غزونا بلَنْجَر، ففتح اللّه علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي- أو سلمان الباهلي كما في بعض النسخ [9] - "أفرحتم بما فتح اللّه عليكم، وأصبتم من الغنائم؟! زهير بن القين البجلي. فقلنا: نعم، فقال لنا: إذا أدركتم شباب آل محمد، فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معه بما أصبتم من الغنائم"، فأمّا أنا فإنّي أستودعكم اللّه. [10] وذكرت بعض المصادر أن زهير بن القين مال إلى معسكر الحسين ومعه ابن عمّه سلمان بن مضارب. في كربلاء [ عدل] زهير يوم التاسع من المحرّم [ عدل] لما نهض ابن سعد عشية الخميس لتسع خلون من المحرّم ونادى في عسكره بالزحف نحو الحسين، وكان جالساً أمام بيته محتبيا بسيفه، قال لأخيه العباس: اركب حتى تلقاهم واسألهم عما جاءهم وما الذي يريدون؟ فركب العباس في عشرين فارساً فيهم زهير وحبيب وسألهم عن ذلك، قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب. فانصرف العباس يخبر الحسين بذلك ووقف أصحابه يعظون القوم، فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون عليه وقد قتلوا ذرية نبيّه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصر المتهجدين بالأسحار الذاكرين الله كثيراً.
ولعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة وخنازير). (من حياة الإمام الحسين (ع) السيد محمد الشيرازي: ص186) لا أبعد الله مثل زهير وأصحابه الكرام الميامين من أصحاب الإمام الحسين (ع) فهم خير وأشرف أصحاب كما شهد لهم بذلك مولاهم وإمامهم السبط سيد الشهداء، فثبتنا الله معهم وجعل لنا قدم صدق مع أهل الصدق والوفاء من أصحاب الحسين (ع).