فبعض أهل العلم كأنهم نظروا إلى هذا: أنَّه جاء بأسلوب الخطاب، قالوا: لا يُوجّه الخطابُ إليه؛ لئلا يكون ذلك زيادةً في بلائه، وإنما هو بحاجةٍ إلى المواساة والتَّسلية، ألا تُشعره أصلًا أنَّ به بأسًا. إذا رأيتَ إنسانًا في عاهةٍ: لربما في يده، سلَّم عليك، أو لربما في وجهه، أو نحو ذلك، تتخاطب معه، وتتعامل معه كأنَّه ليس به شيءٌ، هذا هو الصَّحيح، ما تقول: ما هذا؟ ما بيدك؟ أرني يدك، أو نحو ذلك؛ فيُؤذيه، بل إنَّه قد يتأذّى بإمعان النظر وتصويبه إلى هذه العاهة. حينما يلتفت الإنسانُ إلى هذه اليد وينظر إليها؛ فإنَّ ذلك يتأذّى به مثل هذا؛ ولذلك استشكل بعضُ أهل العلم أن يكون المرادُ بذلك الابتلاء في البدن. وكذلك الابتلاء إذا كان قد ابتُلي بماله، أو ولده، أو أهله، أو نحو ذلك، هل يقول له: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ؟ فقالوا: هذا يكون في الدِّين، ما لم تترتب عليه مفسدة أعظم. قالوا: هذا يكون في الفاسق المعلن؛ ولهذا قيّده بعضُ أهل العلم بما يكون للزجر، يعني: إذا قصد به الزَّجر، رأى إنسانًا لا يُبالي، أو نحو ذلك، أو مُستهترًا، أو مُكابرًا؛ يقول له: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، يُشعره بأنَّ ما حلَّ به وما نزل إنما هو بلاء يتبرأ منه أهلُ الإيمان، ويسألون الله العافية من ذلك.
.. ما درجة صحة حديث: من رأى منكم مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به.... الحديث؟ الحكم على الأحاديث والآثار 23-02-2020 5494 رقم الاستشارة 3012 نص السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الحديث؟ المجيب أ. د بندر العبدلي نص الجواب حديث: "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء". رواه الترمذي (٣٤٣٢) من حديث أبي هُريرة. وإسناده ضعيف. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه".
الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به | معاني الأذكار | د. عبدالحي يوسف - YouTube
الحديث الآخر يتعلّق ببابٍ بعده، وهو ما يُقال في المجلس، باب "ما يُقال في المجلس"، إذا كان الإنسانُ جالسًا بماذا يشتغل؟ ذكر حديثَ ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نعدّ لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مئة مرة من قبل أن يقوم: ربِّ اغفر لي، وتُبْ عليَّ، إنَّك أنت التَّواب الغفور. هذا الحديث أخرجه أبو داود، وسكت عنه [8] ، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ [9]. وابن ماجه [10] ، وقال البغوي: حسنٌ صحيحٌ [11]. وصحح إسنادَه الشيخُ أحمد شاكر [12] ، وكذلك أيضًا الشيخ ناصر الدين الألباني [13] ، مع أنَّه في بعض المواضع ضعَّف إسناده [14] ، وقال الشيخُ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: إسناده صحيحٌ [15]. يقول: "كنا نعدّ"، أو قال: "كان تُعدّ لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مئة مرة من قبل أن يقوم: ربِّ اغفر لي، وتُبْ عليَّ، إنَّك أنت التَّواب الغفور ". ربِّ اغفر لي يعني: عرفنا أنَّ الغفر ينتظم معنيين: السَّتر، والوقاية، الوقاية من الذُّنوب وتبعاتها، والمؤاخذة، والعقوبة. وتُبْ عليَّ ومضى الكلامُ أيضًا على التوبة: اللهم اجعلني من التَّوابين [16] ، وعرفنا توبةَ العبد لربِّه -تبارك وتعالى-، وتوبة الربِّ على عبده: "تُبْ عليَّ" ارجع عليَّ بالرحمة والقبول، أو وفّقني للتوبة، أو اقبل توبتي، كلّ ذلك يكون معنى: وتُبْ عليَّ ، بتوبة الله -تبارك وتعالى- على العبد: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118]، يُوفِّق للتوبة، يقبل التوبةَ ممن تاب.
هذا ما يتعلَّق بهذا الحديث، فالمقصود أنَّ العبد بحاجةٍ إلى أن يُراجع نفسَه دائمًا، وأن ينظر في ذكره واستغفاره على كثرة تقصيره، وجناياته، وذنوبه، والله -تبارك وتعالى- أخبر عن المنافقين أنهم: لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، ألسنتهم جافَّة من الذكر، فضلًا عن الاستغفار. والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.