( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ): فهو قول ليس ككُلِّ الأقوال؛ إنه رسالة الله سبحانه إلى عباده؛ وهو كفيل بأن يضع الإنسانَ في موقع الفاصل بين الحقِّ والباطل ، برؤية الحجَّة الدامغة المبهرة، والبيِّنة التي لا يبقى معها مجالٌ للجدال أو النقاش أو الشك أو الريب، فاتحًا بذلك المجال إلى التصديق والتسليم ، ودافعًا إلى الفصل اليقيني الحجي بين الإيمان والكُفْر، وبين الحقِّ والباطل ، وأمام كل سؤال يعرض ويبلغ إلى الإنسان. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التكوير - الآية 19. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ): يفصل بين الحق والباطل، وبين المؤمن والكافر، وبين المقاتلين المسلمين وأعدائهم، فإنه فصل يفصل وليس فيه هزل ولا فيه تهكم، هو ليس بالهزل بل إنه قول فصل، ولهذا قال: { وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق:14] ، خلافاً للكفار الذين قالوا: { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال:31]. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يفصل بين الخطإ والصواب، ويصل إلى مفاصل ومقاطع الأمور، وهذا القسم الرباني على القرآن: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) [الطارق:13] ، فيه دليل على أن القرآن الكريم محتوٍ على لباب المعاني والأحكام والأصول والقواعد، التي يحتاج الناس إليها. (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ): يحمل نبأ الماضي ، وحكم الحاضر ، وخبر المستقبل ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ، ولا تشبع منه العلماء ،ولا تلتبس به الألسن ،ولا تزيغ به الأهواء ،ومن تركه واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.
لقد كان هذا القرآن العظيم مشعل هداية على طريق الانسانية اضاء لها، فأخرجها من الظلمات الى النور، وأخذ بأيديها الى الحق وصراط مستقيم، وكان نقطة تحول في تاريخها الطويل، وانتقل بها من حياة الإثم والفساد والضلال إلى حياة الخير والحق والرشاد، وأحدث في العالم كله من القيم والمفاهيم والمعايير ما صعد بالإنسانية من دركها الأسفل إلى أبهج صورها وأبهى كمالاتها. وكان القرآن الكريم ولايزال محورا للثقافة الاسلامية ،والحركات الفكرية ،وسائر النشاطات العقلية ،وقد حرضت آياته على النظر فيه والتأمل ، فقال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص ، ومن مقاصد القرآن بيان التوحيد ،والوعد والبشرى للمحسن ،والوعيد والانذار للكافر والمسيء ، وبيان العبادة ،وطريق السعادة في الدنيا والآخرة ، وقصص الذين أطاعوا الله سبحانه وتعالى ففازوا ، وقصص الذين عصوه فخابوا. ولأن القرآن الكريم ( هو قول الله، وهو كلام الله) فسيظل معينا فياضا ، لا ينفد عطاؤه ، ولا يغيض فيضه ،على كثرة ما ينهل منه الناهلون، منذ أن نزل به الروح الأمين ،على قلب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإلى يوم الدين.
وقال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يزعم أن عسعس دنا من أوله وأظلم, وقال الفراء: كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتاً. عسعس حتى لو يشا أدنى كان له من ضوئه مقبس يريد لو يشاء إذ دنا أدغم الذال في الدال, قال الفراء وكانوا يزعمون أن هذا البيت مصنوع وقوله تعالى: "والصبح إذا تنفس" قال الضحاك: إذا طلع, وقال قتادة, إذ أضاء وأقبل, وقال سعيد بن جبير: إذا نشأ, وهو المروي عن علي رضي الله عنه. وقال ابن جرير: يعني ضوء النهار إذا أقبل وتبين.
Details Category: القرآن الكريم إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين وسلام الله عليهم أجمعين. أما بعد، فإنه يجب اعتقاد أن الله تعالى يوصف بصفات تدل على الكمال، ويجب اعتقاد أن صفات الله لا تشبه صفات الخلق. فإذا قيل الله قـــــــادر فمعنى ذلك أن الله له قدرة واحدة، يقدر بها على كل شىء، فلا تتعدد له قدرات بتعدد المقدرات أي المخلوقات. وإذا قيل الله عالـــــــم فمعنى ذلك أن له علمًا واحدًا، يعلم به كل شىء، بهذا العلم الأزلي الأبدي الذي لا يطرأ عليه زيادة ولا نقصان. وإذا قيل الله متكلـــــــم فمعناه أن الله موصوف بصفة الكلام، وكلام الله واحد، أزلي أبدي ليس بحرف ولا صوت. ولا يوصف الله بالكلام الحادث المركب، لأن من قام به كلام حادث بحروف متعاقبة يكون مخلوقًا. فإن قال قائل: كيف تقولون: "كلام الله الذي هو صفته ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغة؟ أليس القرءان كلام الله؟" فالجواب: "أن القرءان بمعنى اللفظ المنـزل على الرسول يقال فيه إنه كلام الله على معنى أنه عبارة عن صفة الكلام الذاتي وليس عين الكلام القائم بذات الله".