الرابعة: قوله تعالى: أينما تكونوا شرط ، وجوابه: يأت بكم الله جميعا يعني [ ص: 157] يوم القيامة. ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإعادة بعد الموت والبلى.
في رِحابِ آيةٍ مِنْ كِتابِ اللهِ تِعالى (47) ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ [البقرة: 148] وعليهِ فكُلُّ انسانٍ لهُ كيانُهُ المستقِل، وشَخصِيتُهُ المخْتلِفُة، وتميُزُهُ الخَاصُ.. قالَ جلَّ وعلا: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]. ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾.. لونُكَ وشكلُكَ ومِشيتُكَ.. كُلُّ ما فِيكَ مُختَلِفٌ، وهَكذَا ستَبقَى.. فلِمَاذَا يَذُوبُ البَعضُ في غيرهِ، ويُلغِي شَخصِيتَهُ، ويَهضِمُ نَفسَهُ. ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾.. فعِشْ كمَا خَلقَكَ اللهُ.. ولا تُخالِفْ طَبيعَتكَ، ولا تُغيِّر خُصُوصِيتكَ، ولا تُقلِدْ غيركَ.. ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [البقرة: 60] و[الأعراف: 160].. إعراب قوله تعالى: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله الآية 148 سورة البقرة. و﴿ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84].. وفي الحديث الصحيح: « اعملوا فكلُّ مُيسرٌ لما خُلق له ». ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾.. تَدُلُ على أهميةِ مَعرِفةِ الانسانِ بمواهِبِهِ وقُدُرَاتِه، وامكانِيَاتِهِ وطاقَاتِهِ، ليفَعِّلَهَا في المجالِ الذي يُناسِبُهُ، ويَنفَعَ بِها نَفْسَهُ وأُمَّتَهُ.
فأهل الكتاب يعرفون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق كما يعرف الرجل ابنه، ولو اختلط هذا الابن بمئات الأبناء. فإن قيل: لـم خص الأبناء من الأولاد؟ قيل: لأن الذكور أشهر وأعرف، وهم لصحبة الآباء ألزم. وقوله: ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي: يعرفون أنه الحق ولكنهم يكتمونه، وهذه الصفة التي اتصف بها أهل الكتاب قد اتصف بها المنافقون، فإنهم يعلمون أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو الحق ولكنهم لا يظهرونه بل يكتمونه مع علمهم به. وقوله تعالى: ( الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) يعني: لا تكن من الشاكين، في هذا الحق الذي جاءك من عند الله تعالى، ومن هنا يجب على المسلم أن يعتزّ بالحق الذي معه ولو أنكره المنكرون ما دام أنه واضح بين. ومما سبق يظهر أن بعض أهل الكتاب يتصفون بكتمان الحق، والشك. المعلم الثاني: اختلاف الناس في الوجهات: قال تعالى: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا) هذه الآية آية عظيمة، وعلى كل مسلم ومسلمة أن يتأملها جيدًا، فهي تمثل سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في الكون كله، وتمثل أيضًا الطريق السليم والمنهج الواضح الذي يجب على المسلم سلوكه، فحينما ذكر الله تعالى معرفة أهل الكتاب للحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أتبع ذلك بقوله سبحانه وتعالى: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)، وهذه هي سنة في البشر، كل له وِجْهَة هو موليها، وسواء كانت وِجْهَةً عقدية في الدين، أو كانت وجهة في الكسب والاكتساب، أو كانت وجهة في الرغبات والقدرات ونحو ذلك.