إلى اللقاء.
ما هو الصّدق مع الله؟ إذا كان الصّدق هو مُطابقة الكلام للواقع، فالصدق مع الله هو مُطابقة أفعالِ المُسلِم وأحوالِ نفسه لمُقتضى دين الله اعتقادًا وعملًا. فأنْ تكون مُسلمًا صادقًا بوصف الآيات الكثيرة المُتضافرة يا عبد الله الصالح يعني أنْ تعتقد في نفسك وتتيقَّن بأنَّ الله هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، وسائر مطلوبات الاعتقاد، وأنْ تسير في حياتك على ما أمرك الله به. ودعونا هنا نتذكر آية السطور السابقة التي تفرِّق بين صنفَيْنِ مِمَّن سمعوا الآيات التي تأمرهم بالقتال: صنف المؤمنين الصادقين؛ وهُم الذين امتثلوا لأمر الله تعالى عالِمين أنَّ في أمره مشقةً وخطرًا. وصنف المُنافقين الذين كذبوا في اعتقادهم فلمَّا أتتْ المَشقَّة تراجعوا وانتكسوا. ما هو الصّدق في الإسلام؟ وهكذا يكون الصّدق في الإسلام هو: الإيمان الحقّ بالله تعالى؛ وفيه تكون صادقًا مع نفسك وداخل قلبك تتيقَّن من أمر معرفتك بعقيدتك الواضحة الصريحة الدائرة على "التوحيد". مطابقة الكلام للواقع من 3 حروف - مجلة أوراق. وتختبر صدق إيمانك بنبذ أيَّة وسيلة -شرك- أو أيّ ولاء لمال أو لجاه ولمِلك قد يُشارك هذا المُعتقد التوحيديّ.
وقد استخدمت مصادر الإسلام كلمة الصدق بمعناها اللُّغويّ. ومن آيات القرآن التي استعملت الصدق في محض معناه اللغويّ آية (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) -يوسف 26-، وكما نرى تطبيق معيار مطابقة الواقع في وصف الكلام بالصدق. وإذا طالعنا هذا الباب الرقيق وجدنا في أوَّله هذه الآية الكريمة -وسآتي بسابقتها- التي تتحدث عن حال المُنافقين حينما تأتي الآيات آمرةً بالقتال فتجد حالهم قد تغيَّر وبدأوا في التخاذُل على خلاف حال المُؤمنين: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) -محمد 21،20-. وإذا تأمَّلنا الأخيرة سألنا: كيف تقول الآية "لو صدقوا الله"، فهل يمكن أنْ يكذب على الله أحدٌ والله عالِم السِّرّ وأخفى؟! ثمَّ إنَّ الآية تخبر بالفعل عن وجهة حال المنافقين ومعرفة الرسول هذه الحال؛ فكيف تقول بعدها "فلو صدقوا"؟ قد يثير القول تساؤلًا لأنَّ أذهاننا انسحبت للمعنى العامّ للصدق، ولمْ تنتبه لخصوصيَّة معنى "الصّدق" في الإسلام، والصّدق مع الله.