وإنما كنى بذكر " الطريق " عن الدين. لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب. وإنما معنى الكلام: لم يكن الله ليوفقهم للإسلام، ولكنه يخذلهم عنه إلى " طريق جهنم "، وهو الكفر، يعني: حتى يكفروا بالله ورسله، فيدخلوا جهنم=" خالدين فيها أبدًا "، يقول: مقيمين فيها أبدًا=" وكان ذلك على الله يسيرًا "، يقول: وكان تخليدُ هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم، على الله يسيرًا، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه، ولا له أحد يمنعه منه، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به من ذلك، وكان ذلك على الله يسيرًا، لأن الخلق خلقُه، والأمرَ أمرُه. ___________________ الهوامش: (23) في المطبوعة: "إياهم عليهم" ، والصواب من المخطوطة. ابن عاشور: الجملة بيان لجملة { قد ضلّوا ضلالاً بعيداً} [ النساء: 167] ، لأنّ السامع يترقّب معرفة جزاء هذا الضلال قبيّنته هذه الجملة. وإعادة الموصول وصلته دون أن يذكر ضميرهم لتُبنَى عليه صلة { وظلموا} ، ولأنّ في تكرير الصّلة تنديداً عليهم.
وقال غيره: منفكين متفرقين. قال أبو جعفر: معنى القول الأول لم يكن الكفار زائلين عما هم عليه حتى يجيئهم الرسول فيبين لهم ضلالتهم. إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم. ومعنى القول الثاني: لم يكن الكفار متفرقين إلا من بعد أن جاءهم الرسول؛ لأنهم فارقوا ما عندهم من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكفروا بعد البيان، وهذا القول في العربية أولى؛ لأن منفكين لو كان بمعنى زائلين لاحتاج إلى خبر، ولكن يكون من انفك الشيء من الشيء أي فارقه، كما قال ذو الرمة: 582 - قلائص ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو يرمي بها بلدا قفرا وزعم الأصمعي أن ذا الرمة أخطأ في هذا. قال أبو جعفر: تأول الأصمعي ( ما تنفك) ما تزال، والصواب ما قال المازني قال: أخطأ الأصمعي ، و( ما تنفك) كلام تام، ثم قال: ( إلا مناخة) على الاستثناء المنقطع ( حتى تأتيهم البينة
وكان بعض السلف يقول: إذا كنت لا ترضى عن الله، فكيف تسأله الرضى عنك؟! [ ص: 200] قوله تعالى: ذلك لمن خشي ربه أي: خافه في الدنيا، وتناهى عن معاصيه.