تاريخ النشر: الأربعاء 20 ذو القعدة 1431 هـ - 27-10-2010 م التقييم: رقم الفتوى: 141701 10840 0 236 السؤال هل يصح تفسير: (ثم استوى إلى السماء): قصد إليها بعناية وجعلها خلقا عظيما ؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن معنى ثم استوى إلى السماء أي قصد إليها أو ارتفع، وأما الخلق فيؤخذ من قوله فسواهن... ففي صحيح البخاري قال أبو العالية: { استوى إلى السماء} ارتفع. { فسواهن} خلقهن... اهـ وقال ابن كثير: ثم استوى إلى السماء} أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا تضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى. ثم استوى إلى السماء وهي دخان HD - YouTube. اهـ وفي تفسير البغوي: ثم استوى إلى السماء قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: أي ارتفع إلى السماء. وقال ابن كيسان والفراء وجماعة من النحويين: أي أقبل على خلق السماء. وقيل: قصد... اهـ وفي تفسير السعدي: { استوى} ترد في القرآن على ثلاثة معاني: فتارة لا تعدى بالحرف، فيكون معناها، الكمال والتمام، كما في قوله عن موسى: { ولما بلغ أشده واستوى} وتارة تكون بمعنى "علا "و "ارتفع "وذلك إذا عديت بـ "على "كما في قوله تعالى: { ثم استوى على العرش} { لتستووا على ظهوره} وتارة تكون بمعنى "قصد "كما إذا عديت بـ "إلى "كما في هذه الآية، أي: لما خلق تعالى الأرض، قصد إلى خلق السماوات { فسواهن سبع سماوات} فخلقها وأحكمها، وأتقنها.
فهذا الإمام القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} يقول: "وقال أكثر أهل العلم: بل خلق الله فيهما الكلام، فتكلمتا كما أراد تعالى"، فالآية تتحدث بوضوح شديد عن كلام للكون، وهو في مرحلة الدخان. { وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} إن المرحلة الثانية من مراحل نشأة الكون بعد مرحلة الغاز أو الدخان، هي مرحلة النجوم، هذا ما أثبته العلماء، وأضحى عندهم يقيناً لا شك فيه. والقرآن قد سبق وقرر بأن السماء أو الكون كان دخاناً، ثم زيَّن الله السماء بالنجوم، وسماها المصابيح. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة فصلت - الآية 11. ونحن نعلم من خلال معاجم اللغة العربية ، بأن المصباح يستخدم لإضاءة الطريق، ونعلم بأن ضوء هذه النجوم لا يكاد يُرى، فكيف سمى القرآن هذه النجوم بالمصابيح، وماذا تضيء هذه المصابيح؟ لقد التقط العلماء صوراً للنجوم شديدة اللمعان، وأدركوا أن هذه النجوم الأقدم في الكون تضيء الطريق الذي يصل بيننا وبينها، وبواسطتها استطاع العلماء دراسة ما حولها، واستفادوا من إضاءتها الهائلة، والتي تبلغ ألف شمس كشمسنا! لذلك أطلقوا عليها اسماً جديداً وغريباً وهو (المصابيح الكاشفة) (flashlights)؛ ففي مقال بعنوان (متى تشكلت الأبنية الكونية الأولى) جاء فيه: "إن النجوم اللامعة تنير كل المادة على طول الطريق الواصل إلينا؛ فالنجوم تعمل مثل (مصابيح كاشفة) بعيدة، تكشف خصائص الكون المبكر".
ومثله أمره تبارك وتعالى للمؤمنين بالإفاضة من عرفات بعد حديثه عن المشعر الحرام (( فَاذْكُرُواْ للهَ عِندَ لْمَشْعَرِلْحَرَامِ وَذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ لضَّالّينَ)) (البقرة: 198)، ثم عادت الآية التي بعدها للحديث عن مسألة الإفاضة من عرفات ووجوب مخالفة المـشركين فيها، وصدرت الآية بـ(ثم)، فقال الله:(( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (البقرة: 199)، ومن المعلوم أن الوقوف بعرفات سابق على الوقوف بالمشعر الحرام (مزدلفة). ومثله قول الله تعالى: (( ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ` ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)) (التكاثر: 7-8)، والسؤال يكون يوم القيامة قبل رؤية الجحيم، وأمثال هذا الاستخدام لـ(ثم) كثير في القرآن ([5]). ثم استوى الى السماء وهي دخان. وإذا تبين ما تفيده (ثم) عند العرب ، فلنقرأ الآيات مع أبي حيان الأندلسي وفق هذا المفهوم: "(ثم) لترتيب الأخبار لا لترتيب الزمان والمهلة، كأنه قال: فالذي أخبركم أنه خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ، ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء ، فلا تعرض في الآية لترتيب.. فصار كقوله: (( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا)) (البلد: 17) بعد قوله: (( فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)) (البلد: 11)، ومن ترتيب الإخبار (( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ)) (الأنعام: 154) بعد قوله:(( قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ)) (الأنعام: 151).
صورة تمثل انفجار أحد النجوم في مجرتنا، هذا الانفجار يبث كميات هائلة من الدخان الكوني التي تُقذف بعيداً عن النجم، طبعاً هذه الصورة التقطت بواسطة الأشعة تحت الحمراء، لأن هذا الدخان لا يُرى بسبب بعده عنا. الدخان الصادر عن الانفجارات النجمية ينتشر بكميات هائلة في الكون من حولنا. إعراب قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو الآية 11 سورة فصلت. أحبتي في الله! لقد تقصَّدتُ وضع كمية من الصور وعدد من أقوال العلماء بحرفيتها في هذا البحث لتكون الحقائق التي نقدمها يقينية لا تقبل الجدل، ولو سألنا اليوم أي عالم في وكالة ناسا أيهما تفضل أن تطلق على هذه السحب الكونية: غبار أو دخان، سيقول على الفور إن كلمة "دخان" هي التي تعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه السحب، وسؤالنا لأولئك المشككين: أليس هذا ما فعله القرآن عندما أطلق كلمة (دخان) قبل علماء وكالة ناسا بأربعة عشر قرناً؟؟!
فمعنى { ائتيا} امتثلا أمر التكوين. وهذا الامتثال مستعار للقبول وهو من بناء المجاز على المجاز وله مكانة في البلاغة ، والقول على هذا الوجه مستعار لتعلق القدرة بالمقدور كما في قوله: { أن يقول له كن فيكون} [ يس: 82]. وقوله: { طَوْعاً أوْ كَرْهاً} كناية عن عدم البدّ من قبول الأمر وهو تمثيل لتمكن القدرة من إيجادهما على وفق إرادة الله تعالى فكلمة { طَوْعاً أو كَرْهاً} جارية مجرى الامثال. و { طَوْعاً أوْ كَرْهاً} مصدران وقعا حالين من ضمير { ائتنا} أي طائعين أو كارهيْن. والوجه الثاني: أن تكون جملة { فَقَالَ لَهَا ولِلأرْضِ ائتنا طَوْعاً أوْ كَرْهاً} مستعملة تمثيلاً لهيئة تعلق قدرة الله تعالى لتكوين السماء والأرض لعظَمة خلْقهما بهيئة صدور الأمر من آمر مُطاع للعبد المأذون بالحضور لعمل شاق أن يقول له: ائت لهذا العمل طوعاً أو كرهاً ، لتوقع إبائهِ من الإِقدام على ذلك العمل ، وهذا من دون مراعاة مشابهة أجزاء الهيئة المركبة المشبَّهة لأجزاء الهيئة المشبه بها ، فلا قول ولا مقول ، وإنما هو تمثيل ، ويكون { طَوْعاً أوْ كَرْهاً} على هذا من تمام الهيئة المشبه بها وليس له مقابل في الهيئة المشبهة. والمقصود على كلا الاعتبارين تصوير عظمة القدرة الإِلهية ونفوذها في المقدورات دَقَّت أو جلَّت.
يقول العالم الذي أشرف على هذا التحليل في مختبرات وكالة الفضاء الأمريكية ناسا: "إن هذه الجزيئات التي كنا نسميها غباراً كونياً لا تشبه الغبار أبداً، وإذا أردنا أن نصف بدقة فائقة هذه الجزيئات فإن أفضل كلمة هي كلمة (دخان) وباللغة الإنكليزية تعني Smoke ". صورة لمختبر تحليل الغبار الكوني The cosmic dust laboratory at the Johnson Space Center ويظهر العلماء الذين التقطوا ذرات من الغبار الكوني وأجروا تحليلاً دقيقاً له، وهذا الغبار التقطته إحدى مراكب الفضاء، وتبين بما لا يقبل أدنى شك أن ما كانوا يظنونه غباراً لا علاقة له بالغبار وأن هذه التسمية خاطئة، وأن أفضل كلمة يمكن أن نعبر عن هذه الذرات هي (دخان)! جهاز التحليل لذرات الغبار الكوني في مختبرات جامعة واشنطن، وهو أول جهاز في العالم يتم تصميمه لدراسة الكون داخل المختبر بدلاً من المناظير. وقد أثبت هذا الجهاز الطبيعة الدخانية للسحب الغازية والغبارية المنتشرة في الكون. والعجيب أن هذه الكلمة ( Smoke) يضعونها بين قوسين، لأنها كلمة جديدة عليهم ولكنها ليست بجديدة على كتاب الله تبارك وتعالى، كتاب العجائب الذي حدثنا عن هذا الأمر قبل أربعة عشر قرناً. ولذلك فإن الله تبارك وتعالى عندما حدثنا عن هذا الأمر حدثنا بكلمة دقيقة وهي الكلمة ذاتها التي يستخدمها العلماء اليوم للتعبير عن حقيقة هذا الدخان الكوني.