ما حكم تشقير الحواجب.
ثانيًا: ذكر أهل العلم أن الغرض من النمص هو إظهار الحاجب أدق مما هو عليه في الواقع، وأن هذا هو مراد النامصة، وقد تقدم نقل كثير يُبَيِّنُ ذلك. وسأزيد الأمر وضوحًا بنقل بعض كلام أهل العلم الموضِّح لهذا، قال أبو داود في السنن: "النامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه" [11]. وفي شرح فتح القدير: "والنامصة هي التي تنقش الحاجب لترقه" [12]. وفي حاشية العدوي: "جمع متنمصة، وهي التي تنتف شعر الحاجب؛ حتى يصير دقيقًا حسنًا" [13]. وقال النووي: "النامصة: التي تأخذ من شعر حاجب غيرها وترققه؛ ليصير حَسَنًا" [14]. ما حكم تشقير الحواجب؟.. المفتي يجيب. وهذا الغرض يحصل بالتشقير - كما لا يخفى - بل هو مقصود التي تُشقِّر. فظهر - بما تقدم - أن النتف المجرد ليس تغييرًا لخلق الله، ونصُّ الحديث يدل على ذلك بوضوح، فهو يدل على أن تغيير خلق الله طلبًا للحسن منهي عنه، سواء كان بالنمص، أو بالوشم، أو بالوشر، فالتغيير الحاصل بهذه الأعمال هو المقصود بالنهي، ولا أظن أن هذا يخفى من دلالة النص. والخلاصة: أن النمص المحرم هو الذي يقصد منه ترقيق الحاجب وتدقيقه، طلبًا للجمال بإظهار الحاجب على غير هيئته الحقيقية، أما النتف لغير ذلك، كالنتف للعلاج ونحوه، فلا بأس به. وإذا ثبت أن المحرم حقيقة هو التغيير الحاصل بالنتف، لا مجرد النتف، فإن الوصول إلى هذا المحرم لا يجوز، بأيِّ طريق كان.
وعلى ما سبق: نرى أن الراجح هو جواز التشقير إن كان بالضوابط المذكورة.
حكم نمص الحواجب: ثبت في الحديث النبوي أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- لعن النامصة، والنامصة هي التي ترقق أو تسوّي شعر حاجبيها، وبيّن الجمهورمن العلماء حُرمة النمص حتى وإن كان بإذن الزوج وهو الراجح، وقال بعض العلماء بالجواز إن كان بإذن الزوج، وقال بأنّ الحرمة متعلّقةٌ بالنمص الذي يكون للتدليس على الخاطبين، أو للتشبّه بالكافرات الفاسقات، إلّا أنّ شعر الوجه والجبهة والخدين يجوز إزالته دون أي بأسٍ أو حرجٍ، كما لا مانع من إزالة الشعر النابت في غير محلّه، كالشعر بين الحاجبين
وينبغي ملاحظة أن المؤثِّر في النمص -على قول الجمهور- إنما هو الترقيق لا خصوص الإزالة، فإن الحكم الشرعي للأخذ من الحاجبين أخذًا مطلقًا دون ترقيقهما مغايرٌ لحكم النمص؛ لأنه ليس كل أخذ من الحاجبين يعد نمصًا، فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز الأخذ من الحاجبين إن طالا، أما المالكية والشافعية فقد ذهبوا إلى كراهة ذلك لا إلى حرمته. وإذا كان النمص هو إزالة شعر الحاجب ترقيقًا، فلا يدخل في مسماه التشقير كما لا يخفى. أما القول بصحة قياس التشقير على النمص فمبني على إدراك علة تحريم النمص، وهي مختلف فيها، وباستقراء كتب المذاهب الأربعة نجد أنهم مختلفون في تحديد العلة، فذكر فقهاء الحنفية أن العلة التبرج وعليه فلا يحرم إلا في حال الزينة، وذكر بعض الشافعية والحنابلة أن العلة التدليس، ويرى بعض الحنفية أن الحرمة لما فيه من الأذى، وقال بعض الحنابلة: إنه شعار الفاجرات، ويرى بعض الفقهاء أن العلة تغيير خلق الله، ويدل على ذلك سياق حديث ابن مسعود: «لعن الله الواشمات والموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله... ». وعلى فرض جعل علة النهي عن النمص بكونه فيه أذى للبدن، فلا يظهر تحقق ذلك في التشقير، لا سيما مع التقدم المهني لمن يمارسون هذه الأعمال.
فأما المطلب الأول: - وهو تحرير محل البحث - فيمكن إيضاحه بأن يقال: للتشقير ثلاثة أنواع [5]: النوع الأول: صبغ جميع شعر الحاجب بلون غير لونه الأصلي، وغالبًا ما يكون موافقًا للون الشعر، فهذا خارج محل البحث، والأظهر جوازه؛ إذ لا يوجد دليل على المنع، وعلى كل حال ليس هو محلَّ البحث. النوع الثاني: صبغ طَرَفَيِ الحاجبِ ( الأعلى والأسفل)، بحيث يظهر الحاجب دقيقًا رقيقًا؛ لأن الطرف السفلي والعلوي، أصبحا غير ظاهرَيْنِ، بسبب الصبغ بلون يشبه لون الجلد. النوع الثالث: صبغ كامل الحاجب بلون يشبه لون الجلد، ثم يُرسَم عليه بالقلم حاجب رقيق دقيق. فالنوعان: الثاني والثالث، هما محل البحث. المطلب الثاني: حكم التشقير: اختلف أهل العلم المعاصرون في هذه المسألة على قولين: القول الأول: إن التشقير بهذه الصفة لا يجوز، وبهذا القول أخذت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية [6]. وفيما يلي نص السؤال والجواب.