وقد ورد في أوصاف الصراط الأخروي أوصاف كثيرة, ولكن بعضها لم يثبت.... لكن بعض الروايات التي ورد فيها أنه أدق من الشعر, وأحد من السيف, صححها بعض العلماء, وكذلك وصفه بأنه أحرُّ من الجمر قد رواه بعض العلماء.... كل هذا يدل على أن هذا الصراط في غاية من الدقة والحرارة, ولكن يثبت الله أهل الإيمان, حيث ثبتوا على أعمالهم وعقائدهم في الدنيا, فثبتهم على الصراط في الآخرة, وهكذا أيضاً لما كانوا متمسكين بالأعمال الصالحة في الدنيا, كان تمسكهم سبباً في سرعة قطعهم لهذا الصراط بسرعة. فمن الناس من يمر كهذه الريح في سرعتها وانطلاقها, ومنهم... من يمر كلمح البصر, ومنهم من يمر كالفرس الجواد, والفرس أيضاً سريع السير, لشدة جريه, يقطع المسافات الطويلة في زمن قصير. ومنهم من يمر كركاب الإبل, كالذين يركبون الدواب على الإبل, ومنهم من يمشي مشياً على الأقدام, ومنهم من يزحف زحفاً على يديه, أو على رجليه, أو على مقعدته. آثار الإيمان باليوم الآخر. ومنهم المخطوف والملقى في النار. فالذي يؤمن بهذا الصراط, ويعرف أنه إنما يسلكه ويوفق في السير عليه إذا كان مستوياً سيره على هذا الصراط, يستعد لذلك, ويفكر هل أنا مستقيم على الصراط الدنيوي أو لا ؟ فإذا رأى في نفسه خللاً أو نقصاً تفقد ذلك وتلافاه.
أعرابي حظه من العلم معدوم قال يا رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظني ولا تطل فقرأ:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} قال: كفيت. اكتفى بآية, والقرآن بين أيدينا، يعني ستة آلاف آية نقرأه، ونستمع إليه، ونستمع إلى تفسيره، ومع ذلك تجد أنّ معظم المسلمين غيرَ منضبطين. أما هذا الأعرابي فقال: كفيت، قال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل. يقول الله عز وجل: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} هكذا، فكما أن الله يحيي الأرض الميتة بالمطر، كذلك يحيي هذه الأجساد الفانية بقدرته العظيمة. اثار الايمان باليوم الاخر 4 متوسط. أيها الأخوة, ربنا يقسم ويقول: { وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} بالمختصر المفيد: لابد من يوم تسوي فيه الحسابات ويعط كل ذي حق حقه.. فالذي خلق هذه الأكوان لا يعقل أن يترك الإنسان سدى، بل لابد أن يُحاسَب، ويقف بين يديه ليحقَّ الحق والعدلَ.
وتعد أحداث القيامة جزءً من اليوم الآخر وممّا يجب الإيمان به، ومن أحداثها عند بعْث الناس من قبورهم ووصولهم للمحشر يحشر الله -تعالى- المؤمنين كما بيّن في كتابِه:(يَومَ نَحشُرُ المُتَّقينَ إِلَى الرَّحمـنِ وَفدًا) ، أمّا الكُفّار فيُحشَرون كما قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَـئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلً). وبعْد طولِ الانتظار يحضُر الأنبياء والرُّسل إلى أرض المحشر ويشفع سيّدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- الشفاعة العُظمى إذ روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي يَومَ القِيامَةِ، فَهي نائِلَةٌ إنْ شاءَ اللَّهُ مَن ماتَ مِن أُمَّتي لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا). ثم تبدأ صُحف العباد بالتّطايُر ويأخٌذُ كل إنسان كتابَه إما بيمينه أو بشماله، ثمّ يوضع الميزان لوزنِ أعمالِ العباد قال -تعالى-: (وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبينَ) ، وبعدها الورود على الحَوْض وقد بيّن -عليه الصّلاة والسّلام- صفات حوضه إذ يقول: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَن شَرِبَ مِنْها فلا يَظْمَأُ أبَدًا).
ورفعه عن درك الحيوان، لتكون اهتماماته وأهدافه أرفع من ضرورات الحيوان. إن الإيمان بالآخرة، وبما وعد الله به فيها من الجزاء الأوفى، إذا رسخ في القلب تحول إلى قوة دافعة تجعل الإنسان مستعدّاً للبذل والعطاء والتضحية في سبيل الخير والصلاح، وتجعل خلقه وسلوكه مستقيماً، وتجعل الأوضاع الاجتماعية صالحة قويمة، لأن الأفراد إذا كانوا صالحين، فإنهم لا يتركون أحوالهم الاجتماعية تفسد وتنحرف. ولكي يبقى الإيمان بالله وباليوم الآخر قوة حية في الضمير تدفع إلى الخير، وتحبس عن الشـر، فرض الله العبادات وحدَّ الحدود، لتكون وسيلة لتجديد الإيمان وزيادته وتقويته، وبقدر ما يداوم الإنسان عليها يكون تجدد إيمانه وتأثيره في النفس والسلوك والأخلاق.
هناك فرق جوهري بين المؤمن بالآخرة وبين الكافر بها، في أخلاقهما، وفي مقاييسهما، ونظرتهما إلى الأمور، العمل الحسن في نظر الكافر هو كل ما يجلب له كسباً وربحاً في الدنيا، وكل همه إشباع رغباته الذاتية، لا يتحرج من استخدام الوسائل الظالمة لبلوغ أهدافه، والعمل السيء في نظره هو كل ما يدخل ضرراً على مصالحه الدنيوية، أو يحول بينه وبين إشباع شهوة من شهواته. أما المؤمن بالآخرة فالعمل الحسن في نظره هو كل ما يرضى الله عز وجل. والعمل السيئ هو كل ما يؤدي إلى غضبه، والعمل الحسن يكون حسناً، في نظر المؤمن، وإن لم يجلب له منفعة شخصية عاجلة في الدنيا. بل يكون حسناً وإن كان مضرا ًببعض مصالحه الدنيوية لأنه على ثقة من أن الله سيجازيه في الحياة الدائمة. المؤمن بالآخرة لا يسلم بنسبية الأخلاق، لأنها قيم ثابتة مطلقة منزلة من عند الله، لهذا كله فإن الإيمان بالآخرة هو الذي يجعل الإنسان يختار في الدنيا طريقاً أو سلوكاً دون آخر. وفي الحقيقة يستحيل أن يكون الإنسان صالحاً إذا كان كافراً باليوم الآخر، لأن إنكار الحياة الأخرى والحساب يقتلع الإحساس بالمسؤولية من قلبه ويهبط به من مستوى الإنسانية المكرمة إلى مستوى أسفل الحيوانات.
مقالات متعلقة تاريخ الإضافة: 11/11/2015 ميلادي - 29/1/1437 هجري الزيارات: 44206 الإيمان باليوم الآخر وآثاره النفسية الإيمان بيوم الدين كلِّية من كليات العقيدة الإسلامية، لها آثار طيبة على نفس الإنسان وحياته وسلوكه في الدنيا، لأنه يجعل الإنسان يعلق نظره ورجاءه بالله تعالى في عالم آخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد به ضرورات الحياة الدنيا، ولا يستبد به القلق على تحقيق جزاء سعيه في عمره القصير المحدود، وبذلك يملك القوة على العمل لوجه الله وانتظار الجزاء حيث يقدره الله، في طمأنينة وثقة ويقين في الله. وفي إصـرار على الحق ولو كان مراً. ومن ثم فإن الإيمان باليوم الآخر يمثل مفرق الطريق في حياة الإنسان بين العبودية للنزوات والشهوات، وبين التعلق بالقيم الروحانية والاستعلاء على القيم الأرضية. الإيمان بحياة أخرى بعد الموت له أثر بالغ في حياة الإنسان وسلوكه وأخلاقه. المؤمن بالآخرة يفعل الخير، وإن كان يبدو غير مربح له في الدنيا، ويتجنب الشـر، وإن كان يبدو مربحا ً، لأنه يقدر الأمور بعواقبها النهائية، وليس بمدى موافقتها لنزاوته وغرائزه. المؤمن بالآخرة وبالحساب بين يدي الله يراقب أفعاله ويحاسب نفسه، ويكون حريصاً على ألا يضيع سعادته الأبدية مقابل مكسب دنيوي عابر.
أبرز موضوعات سورة النحل عين2022
وسميت بسورة النحل؛ لأنها تحدثت عن هذه الحشرة النافعة، التي تقدم للإنسان غذاء نافعاً شافياً، وهي من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده. وتسمى أيضاً سورة (النِّعم)؛ وذلك لما ذكر الله فيها من النِّعم التي أنعم الله بها على عباده، كنعمة المطر، ونعمة الشمس والقمر والنجوم، ونعمة الولد والزوجة، وقد قال تعالى في هذه السورة: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل:18]. تعريف ومعنى سورة النحل. سورة النحل هي السورة السادسة عشرة في ترتيب السور القرآني. وآياتها ثمانون وعشرون ومائة آية، و أكثر المفسرين على أنها سورة مكية إلا بعض آيات منها، فهي مدنيَّة. وتسمى أيضاً سورة (النِّعم)؛ وذلك لما ذكر الله فيها من النِّعم التي أنعم الله بها على عباده، كنعمة المطر، ونعمة الشمس والقمر والنجوم، ونعمة الولد والزوجة، وقد قال تعالى في هذه السورة: { وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل:18]. ما جاء في السورة روى البخاري عن عمر رضي الله عنه، أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة، نزل فسجد، وسجد الناس. وروى أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه، قال: "كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، إذ شَخَص -فتح عينيه- ببصره، ثم صوبه، حتى كاد أن يلزقه بالأرض، قال: « أتاني جبريل عليه السلام، فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الوضع من هذه السورة: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]».
الاستسلام أمام تكنولوجيا غير عادية: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {44}) كانت تقنية جعل الزجاج فوق الماء أمرًا غير عادي في ذلك الزمان فلم تستطع بلقيس إلا أن تسلم. وهنا نلاحظ الفرق بين ردّ بلقيس التي كانت تقدّر العلم فقد بهرتها هذه التكنولوجيا التي رأتها بأم عينها فأسلمت مباشرة بلا تردد، أما في الآية (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {13}) في قصة سيدنا موسى اعتبر قومه الآيات المعجزة التي جاء بها سحر لأنه لم يكن لديهم علم أو تكنولوجيا. اقرأ أيضًا: موضوعات ومضامين سورة الأنفال قصص الأنبياء مع أقوامهم للتذكير والاعتبار بعد بيان أسس التقدم الحضاري المصحوب بالإيمان في قصة نبي الله سليمان التي تُعد قصة مركزية في سورة النمل، تناولت الآيات قصة النبي صالح وأعقبتها بقصة لوط عليهما السلام، وكل هذه القصص غرضها التذكير والاعتبار، وبيان سنة الله تعالى في إهلاك المكذبين عندما لا يستجيبون للرسالات الإلهية، من قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ {45}) إلى قوله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ {58}).
مدح المتقين ذكرت الآيات ما أعده للمتقين من وجوه التكريم في دار النعيم، ليظهر الفارق بين حال أهل السعادة وحال أهل الشقاوة وبين الأبرار والفجار على طريقة القرآن في المقارنة بين الفريقين، وكان الوعد الذي وعده الله للمتقين أن يدخلوا جنات عدن تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كما تتلقاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم، وقد تضمنت الآية الحديث عن الصابرين الذين يتوكلون على الله مع بيان بعض صفات عباد الله المتقين الذين يسجدون لله سواء كانوا في السماوات أو الأرض أو الملائكة، فجميعهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم، ويصدعون بما يأمرهم به. وذلك من قوله تعالى 🙁 وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً… {30}) إلى قوله تعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {50}).
وذلك من قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {3}) إلى قوله تعالى: ( وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6}). نداء الله تعالى لموسى عليه السلام بوادي طوى تناولت سورة النمل قصة نبي الله موسى عندما نداه الله بالواد المقدس طوى، ويتصل هذا المقطع من السورة بالموضوعين السابقين، حيث أوضحت الآيات أن الله أيّد نبيه موسى بالآيات، ولكنه عندما ذهب إلى قومه الطغاة، وصفوه بالسحر فأولئك من الفريق الثاني الذي أشارت إليه الآيات بأنهم لا يؤمنون بالآخرة رغم سطوع البراهين إليهم وذلك من قوله تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا …{7}) إلى قوله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {14}). الإيمان والتقدم الحضاري في سورة النمل خطة محكمة لبناء مؤسسة أو شركة أو مجتمع أو أمة غاية في الرقي والتفوق من خلال آيات قصة سيدنا سليمان مع بلقيس ونستعرض عناصر قوة هذه المملكة الراقية التي يعلمنا إياها القرآن الكريم: أهمية العلم: ابتداء القصة من قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {15}) فقد كان عند داوود وسليمان تفوق حضاري بالعلم الذي آتاهم إياه الله تعالى وهم مدركين قيمة هذا العلم.
ليست في جلجلة الأنعام والرعد، ولكنها في هدوئها تخاطب كل حاسة وكل جارحة في الكيان البشري، وتتجه إلي العقل الواعي كما تتجه إلى الوجدان الحساس. إنها نخاطب العين لترى، والأذن لتسمع، واللمس ليستشعر، والوجدان ليتدبر. وتحشد الكون: سماءه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وجباله وبحاره وفجاجه وانهاره وظلاله وأكنانه نبته وثماره، وحيوانه وطيوره. كما تحشد دنياه وآخرته، وأسراره وغيوبه. كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب، مختلف الإيقاعات التي لا يصمد لها فل بتأثر بها إلا العقل المغلق والقلب الميت، والحس المطموس. هذه الإيقاعات تتناول التوجيه إلى آيات الله في الكون، وآلائه على الناس كما تتناول مشاهد يوم القيامة، وصور الاحتضار ومصارع الغابرين، تصاحبها اللمسات الوجدانية التي تتدسس إلى أسرار الأنفس، وإلي أحوال البشر وهم أجنة في البطون، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة، وهم في حالات الضعف والقوة وهم في أحوال النعمة والنقمة. كذلك يتخد الأمثال والمشاهد والحوار والقصص وأدوات العرض والايضاح. فأما الظلال العميقة التي تلون جو السورة كله فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخلق، وعظمة النعمة، وعظمة العلم والتدبير.. كلها متداخلة.. فهذا الخلق العظيم المدبر عن علم وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر، لاتلبي ضروراتهم وحدها، ولكن تلبي أشواقهم كذلك، فتسد الضرورة وتتخد للزينة، وترتاح بها أبدانهم وتستروح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون.
توارث الأجيال للعلم: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ {16}) والاهتمام باللغات المختلفة (لغة الطير) وأهمية وجود الإمكانيات والموارد والعمل على زيادتها (وأوتينا من كل شيء). وجود نظام ضبط وربط ووجود تعدد في الجنسيات والكائنات: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {17}). أهمية التدريب الميداني للأفراد: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ {20}) بدليل أن الهدهد كان في مهمة تدريبية. تفقد الرئيس ومتابعيه لعمّاله: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {21}). إيجابية الموظفين في العمل الإستكشافي وتحري المعلومات الصحيحة: فالهدهد كان موظفاً غير عادي وكان عنده إيجابية وجاء بأخبار صحيحة ودقيقية (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ {21}). مسؤولية الموظفين تجاه الرسالة: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ {24}) فالهدهد استنكر أن يجد أقواماً يعبدون غير الله وهذا حرص منه على رسالة التوحيد.