17- سورة البقرة، الآيتان، 155-156. 18- الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 2، ط 2، قم، مؤسَّسة آل البيت، 1414هـ. ق، ص 437. 19- أصول الكافي، ج 2، ص 275. 20- بحار الأنوار، ج 91، (تحقيق: الميانجيّ البهبوديّ)، ص 142.
وانطلق ثانيًا: من حقيقة هذه الحياة الدنيا، وأنها مجرَّد لحظة عابرة في مسار الأبدية الدفَّاق؛ فالإنسان مخلوقٌ هنا لأجل مهمة محدَّدة كما قلنا، وعليها سيتحدَّد مصيره بعد الموت، ومِن ثم فالدنيا مسرحُ ابتلاء وفضاء تثوير لطاقات الكينونة الإنسانية المختلفة، وليست بالتالي دارَ مقر وفردوس، ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 64]. وبهذا يكون القرآن قد أضفى على الإيمانِ بوجود الله تعالى قيمتَه ومعناه، ونفخ فيه جماله وجلاله، ومِن ثم لم يترُكْه - كما هو في التصورات المنحرفة - معلوماتٍ باردةً تزحم الذهن، أو جدليات لاهية تشغل النفس، فدعوى الانفصال بين (الإيمان والعمل) في ميزان القرآن، هي دعوى لا قيمة لها ولا أساس! والله الهادي سواء السبيل [1] ضعف الإيمان يعني ضعفًا في مستوى التصديق العقلي والشعور النفسي، وعنهما ينتجُ بالضرورة ضعفٌ في السلوك التطبيقي.
إنّ المعرفة الله عن طريق القلب هي إحساس وشعور باطنيّ وهي طريقٌ فرديٌ تماماً، ولا تقبل النَّقل للآخرين والتَّعليم والتَّعلُّم، على خلاف معرفة الله عن طريق العقل فهي ليست فرديةً وهي قابلة للتَّعليم والتَّعلُّم، ويمكن نقلها للآخرين. الإيمان بالله تعالى. فمعرفة الله عن طريق القلب لا يمكن إبرازها في قلب الاستدلال، وهي ليست أمراً قوليّاً بل هي أمرٌ ذوقيٌّ، وهي نوعٌ من التّجربة الباطنيّة لا يمكن نقلها للآخرين، كما أنّ المبصر لا يستطيع أن يبيِّن للأعمى اللَّون وإدراكه له ومعرفته به، وكما أنّ الإحساس بالجوع والعطش لا يقبل النَّقل للآخرين فكذلك الشَّخص الذي يستطيع أن يحسّ بالله عن طريق القلب لا يستطع أن ينقل إحساسه إلى من كان بَصَرُ قلبه أعمى. الإيمان بالله تعالى وأنواعه يمكن تصنيف الإيمان بالله بحسب واقع النَّاس إلى أقسام عدّة: أشار القرآن الكريم إلى بعضها، وهي: 1- الإيمان الراسخ: وهو الإيمان الثابت الذي لا تهزُّه البلاءات والفتن: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ 1. 2- الإيمان الوراثيّ التَّقليديّ: وهو ما كان تقليداً للآباء والأجداد دون دليلٍ أو برهانٍ منطقيّ، قال تعالى: ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ 2.
وبهذا يكون القرآن الكريم قد اختار طريقًا مختلفًا، وفتح مجالًا جديدًا في التذكير بوجود الله تعالى والتنبيه على عظمة ألوهيَّته، من خلال عرض الكثير من مشاهد آياته الكبرى في كل شيء؛ في الكون والحياة والإنسان، وهو - بلا شك - منهجٌ يختلف جذريًّا عن منهج الجدل البارد الذي شاع قبل الإسلام في فلسفات مختلفة، وبعد الإسلام فيما يسمى بعلم الكلام! الايمان بالله تعالى للاطفال. تلازم الإيمان والعمل: ما مِن شك في أن الهدف النهائي من تركيز القرآن على هذا النمط من العرض والبيان حول وجود الله تعالى في الأنفس والتاريخ والآفاق، هو مَلْء العقل والوجدان بفُيُوضات الكمال والجلال، ليرتبطَ المتلقِّي بكل كِيانه بالله تعالى بشكل وثيق وعميق؛ إذ كان هذا الارتباط هو جوهرَ التوحيد الذي خُلق له الخلق! والقرآن الكريم يعلم أن هذا الارتباط له آثارٌ في الفكر والنفس والواقع؛ مِن رؤى وتصورات، ونظم والتزامات؛ ذلك لأن الإنسان وحدةٌ متكاملة بين (فكرة العقل) و(شعور الضمير) و(التزام السلوك)، وهي شُعَب لا يمكن الفصل بينها إلا بضعف في الإيمان أو عوامل خارجية ضاغطة! ومِن هنا استثمر المنهج القرآني هذه الحقيقةَ الكبيرة في طبيعة الإنسان، ليُرتِّب عليها وليبني عليها دعوته المقدَّسة للإنسان بأن يلتزِم بمعاني الإيمان وحقائق التوحيد، إِنْ على مستوى الإدراك، وإِنْ على مستوى الشعور، وإن على مستوى السلوك ونشاطات الحياة وعلاقاتها كافةً، ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].
وقالَ أحدُ الصحابةِ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ [8] فَتَعَلَّمْنَا الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَاناً [9]. شبكة المعارف الإسلامية :: الإيمان بالله تعالى. عبادَ اللهِ: اعلمُوا أنَّ المؤمنَ يزيدُ إيمانُهُ، ويرتقِي إحسانُهُ بفِعْلِ الطاعاتِ، وينقصُ بارتكابِ المعاصِي، قالَ تعالَى:﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [10] وقالَ عزَّ وجلَّ: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [11]. فلنَحْرِصْ عبادَ اللهِ علَى فِعْلِ كُلِّ مَا يزيدُ إيمانُنَا باللهِ ويُقرِّبُنَا منْهُ، ولنجتَنِبْ كلَّ مَا ينقصُ إيمانَنَا ويُباعدُنَا عَنِ اللهِ سبحانَهُ. نسألُ اللهَ تعالَى أَنْ يرزقَنَا صِدْقَ الإيمانِ بهِ، وحُسْنَ التوكُّلِ عليهِ، وتَمامَ الثقةِ فيهِ، ونسأَلُهُ تعالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا جميعًا لطاعتِهِ وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ, عملاً بقولِهِ:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾ [12]. بارَكَ اللهُ لِي ولكُمْ فِي القرآنِ العظيمِ ونفعَنِي وإياكُمْ بِمَا فيهِ مِنَ الآياتِ والذكْرِ الحكيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريم ِ - صلى الله عليه وسلم - أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ، فاستغفِرُوهُ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.
بَلْ إنَّ بعضَ المسلمينَ الذينَ دخلُوا النارَ بسببِ ذنوبِهِمْ يخرجونَ منْهَا ولاَ يُخلَّدُونَ فيهَا لإيمانِهِمْ باللهِ عزَّ وجلَّ، قَالَ - صلى الله عليه وسلم -:« يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ » [5].
قال ابن إسحاق: الفلج في الدنيا، والثواب في الآخرة. وقيل: الحوض والشفاعة. وعن ابن عباس: ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. رفعه الأوزاعي، قال: حدثني إسماعيل بن عبيدالله، عن علي بن عبدالله بن عباس، عن أبيه قال: أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك؛ فأنزل اللّه عز وجل { والضحى - إلى قوله تعالى - ولسوف يعطيك ربك فترضى} ، فأعطاه اللّه جل ثناؤه ألف قصر في الجنة، ترابها المسك؛ في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وعنه قال: رضي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال السدي. وقيل: هي الشفاعة في جميع المؤمنين. وعن علي رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يشفعني اللّه في أمتي حتى يقول اللّه سبحانه لي: رضيت يا محمد؟ فأقول يا رب رضيت). ""وفي صحيح مسلم عن، عبدالله بن عمرو بن العاص""أن النبي صلى اللّه عليه وسلم تلا قول اللّه تعالى في إبراهيم { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم: 36] وقول عيسى { إن تعذبهم فإنهم عبادك} [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي) وبكى. فقال اللّه تعالى لجبريل: (اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك) فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم، فسأل فأخبره.
وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسؤءك فيهم اهـ 3- وقال العلامة القرطبي: عن علي بن عبدالله بن عباس ، عن أبيه قال: أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته ، فسر بذلك ؛ فأنزل اللّه عز وجل { وَالضُّحَى – إلى قوله تعالى – وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} ، فأعطاه اللّه جل ثناؤه ألف قصر في الجنة ، ترابها المسك ؛ في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وعنه قال: رضي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال السدي. وقيل: هي الشفاعة في جميع المؤمنين.
آخر تفسير سورة " الليل " ولله الحمد والمنة