الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أرجع في هذا المقال الذي أختم به هذه السلسلة، إلى الدليل الذي بدأتها به: دليل الفطرة، لتكتمل الحلقة، ويتم المقصود بها! والفطرة هي: ''الخلقة التي خلق الله عباده عليها، وجعلهم مفطورين عليها، وعلى محبة الخير وإيثاره وكراهة الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير'' (1). إن دلالة الفطرة على وجود الله أقوى من أي دليل آخر، علميا كان أو عقليا. فالفطرة هي الأساس التي تبنى عليه المعارف الإنسانية جميعها، وعلى رأسها معرفة الخالق سبحانه. قال تعالى: { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها} (الروم:30). وهذه الفطرة هي الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم قبل أن يخلقوا، وجعل منه حجة قائمة عليهم، كما قال تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} ( الأعراف: 172-173). أدلة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى. ولذلك كان وجود الله من الأمور المركوزة في الفطَر البشرية، فإن كل إنسان يشعر من نفسه بأنّ له ربا وخالقا، ويحس بعظيم الحاجة إليه، فيتجه بيديه وعينيه وقلبه إلى السماء، لطلب الغوث من ربه.
[٥] والقرآن الكريم خاطب الإنسان بوصفه مخلوقاً مكرماً من حيث القيمة الاعتبارية والوجودية له في هذا الكون وكونه خليفة الله على أرضه، والأدلة على وجود الله -تعالى- متعددة ومتنوعة نذكر منها دليل الفطرة ودليل السببية ودليل الإتقان ودليل العناية، وبيان هذه الأدلة ما يأتي: [٦] دليل الاضطرار من الأدلة الفطرية على وجود الله -تعالى-، وقد ذكر فيه القرآن أمثلة عدة؛ سواء ذلك في حالة ضنك معيشي أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه، أم كانت الحالة مصيبة واقعة. ملخص درس ادلة وجود الله تعالى. من الأدلة على وجود الله -تعالى- دليل الأشواق الروحية. يعد من الأدلة الفطرية أيضاً حاجة الإنسان إلى العبادة، فالمقومات التي تتجه البشرية إليها في غالبيتها الدين والتدين والعبادة، فهي أمر فطري في البشرية وحاجة من حاجاتها ومكون من مكوناتها الوجودية أو الحياتية، وإذا ما كان هذا في السلوك البشري على اختلاف الدين، فإن العبادة والعبودية أمر فطري في الإنسان وليست قضية خارجة عنها. [٧] ومن هنا فإنَّ قضية التدين قضية فطرية ومسلَّمة من مسلماته الحياتية، إلا أنَّ اتفاق هذه السلوك مع الحقيقة وانسجامها مع الفطرة العامة التي فطر الله الخلق عليها. [٨] الخطاب القرآني والأدلة الفطرية في إثبات وجود الله لقد خاطب القرآن الكريم مشركي مكة بطريقة سهلة ومرنة وواضحة بأنَّ الله -عز وجل- خالق حي مَوْجُود قادر على الخلق والإحياء والإماتة والبعث، ويبرز هذا في قوله -تعالى- من سورة يس: ( أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).
وفي الحديث القدسي: (يقول تبارك وتعالى: إنّي خَلَقتُ عبادِي حنفاء كلَّهم، وإنّهم أتتهم الشياطينُ فاجْتالَتهُم عن دينهم). ومعنى "حنفاء" أي: مائلينَ عن الأديانِ كلِّها إلى دين الإسلام. ادلة وجود الله. ومعنى "اجتالتهم": استخفّتهم، فجالوا معهم في الضلال. ومن أجل أهميّةِ الفطرةِ في دلالةِ الناسِ على ربّهم وتعريفهم به كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحَ أو أمسى يقرِّرُ أنه يُصْبِحُ ويُمْسِي على هذه الفطرةِ، فطرةِ الإسلامِ، وأنّها لم تتأثَّرْ بالمؤثِّرات والعوارض الخارجية من نزغات الشياطينِ ووساوسهم، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقولُ إذا أصبحَ وإذا أمسى: (أصبحنا -أو أمسينا- على فطرةِ الإسلامِ، وعلى كلمةِ الإخلاصِ، وعلى دينِ نبيّنا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وعلى ملّةِ أبينا إبراهيم، حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين). فقد أكّد سلامة الفطرة من الانحراف بقوله: (وعلى كلَمِة الإخلاص)، وهي شهادة "أن لا إله إلا الله". وبقوله: (وعلى دينِ نبيِنّا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) وهو الدين الإسلامي، وبقوله: (وعلى مِلّةِ أبينا إبراهيمَ حنيفاً مسلماً) أي مائلاً عن كلِّ ما يخالِفُ هذه الفطرة من الأديان والعقائد الفاسدة، التي تنكِرُ الربَّ سبحانه وتعالى، أو تزعمُ أنَّ معه شريكاً في مُلْكِهِ أو عبوديتِهِ إلى الإسلام الخالص، فإذا حقَّقَ توحيدَ الألوهية "توحيد العبادة" كان توحيدُ الربوبية محقّقاً؛ لأنَّ توحيدَ الألوهية يتضمَّنُ توحيدَ الربوبية، وبذلك تكونُ الفطرةُ قد دلّت على توحيدِ الربوبية.
دليل الفطرة في القرآن الكريم: يشير القرآن الكريم إلى دليل الفطرة لمعرفة الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى: 1- ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سورة الروم ، آية30). 2- ( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (سورة الروم ، آية 33). أدلة إثبات وجود الله - موقع مقالات إسلام ويب. وهذه الآية الكريمة تشير إلى نقطة مهمة وهي إنّ الإنسان في حالة الضرّ والحاجة الصعبة التي لا يمكن لأيّ جهة مادية حلها وتأمينها ، فإنّه لا خيار له سوى الرجوع إلى المعرفة الفطرية التي تربطه بالله سبحانه و تعالى ، لذلك يتوجه لربّه ويدعوه بإخلاص وتضرّع. ولكن إذا أذاقه الله رحمة فإنّه يتنكر لفطرته ويتبع ما تعلمه من الناس من مفاهيم مادية وإلحادية مغلوطة ، فيرجع إلى الشرك بربه والكفر بخالقه ورازقه. فإذن يتجلى الإيمان الفطري بالله سبحانه وتعالى في لحظات الضرّ والحاجة والفقر والفاقة ، والانقطاع من إمكان الحصول على نفع من الناس لعجزهم عن مساعدته.
فقال لهم: أنتم أنكرتم أن يكون لهذا الكون خالقا ، ولم تصدقوا أن تكون سفينة من غير قائد ، فاعترفوا وأقروا. وقد نبه القرآن إلى هذا الدليل في مواضع كثيرة ، قال تعالى: { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون () أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون}(الطور:35-36) هما احتمالان لا ثالث لهما إلا الاعتراف بوجوده سبحانه والإيمان به. من ادلة وجود الله تعالى. الاحتمال الأول: أن يكون هذا الخلق من غير خالق ، وهذا مستحيل تنكره العقول إذ لا بد للمخلوق من خالق وللمصنوع من صانع ، فالعدم لا يخلق. والاحتمال الثاني: أن يكونوا هم الذين خلقوا أنفسهم وخلقوا السماوات والأرض ، وهذا مستحيل أيضا إذ لم يدَّع أحد أنه خلق نفسه فضلا عن السماوات والأرض ، ولو ادعى مدع ذلك لاتهم بالجنون والهذيان ، إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه ، فلم يبق إلا أن يكون لهذا الكون خالقاً وموجدا ، وهذا دليل غاية في القوة والبيان لذلك عندما سمعه جبير بن مطعم قال: " كاد قلبي أن يطير " كما ثبت ذلك عند البخاري. فهذه بعض الأدلة على وجوده سبحانه ، وهي أدلة من تأملها وأمعن النظر فيها لم يسعه إلا التسليم بها.
ومن تأمل آيات الله في الكون الفسيح، سطعت له أنوار اليقين، وذهبت عنه ظلمات الشك في الربوبية. وتتداول كتب العقائد أن قوما من الملاحدة أتوا الإمام أبا حنيفة رحمه الله – أو غيره من الأئمة – ليبحثوا معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: ''أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها فترسو بنفسها وتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبّرها أحد'' فقالوا: ''هذا محال، لا يمكن أبدا! ''. فقال لهم: ''إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟''(1). وقد ردّ القرآن الكريم على الذين انحرفت فطرهم، فأنكروا الخالق، وأن يكون لهم رب يفنيهم ويبعثهم، فحكى قولهم: { وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} (الجاثية:24)، ثم أردف ذلك بقوله سبحانه: { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون} (الجاثية:24). أي: ليس لهؤلاء دليل يرجعون إليه يمكن تسميته علمًا، لا من خبر ولا من عقل ولا من حس أو تجربة. وغاية أمرهم الشك والارتياب، واتباع الظنون الفاسدة. أدلة وجود الله4..الخلق يدل على الخالق - موقع مقالات إسلام ويب. وهذا توصيف دقيق لحال الملاحدة في كل زمان! فإن مبنى الإلحاد على محاولة هدم الأديان، ونسف ما تحمله من الحقائق والقيم، مع العجز الكامل عن إقامة بناء معرفي وأخلاقي ثابت في نفسه، وسالم من الحيرة والاضطراب.
فقوله: (وأنا على عهدِكَ): أي ما عاهدتُكَ عليه من الإيمان بِكَ، والإقرارِ بوحدانيَّتِكَ، لا أزولُ عنه ، قال ابن حجر: وقال ابن بطال: قوله: (وأنا على عهدِكَ ووعدِكَ) يريدُ العهدَ الذي أخذَه الله على عبادِه، حيثُ أخرجَهم أمثالَ الذَّرِّ وأشهدهم على أنفسِهم: ألستُ بربكم؟ فأقرّوا له بالربوبية، وأذعنوا ليه بالوحدانية، و"بالوعدِ" ما قاله على لسان نبيه ، فهذا الذكرُ العظيمُ مَن داومَ عليه يومياً ولازمَه حفِظَ نفسه -بإذن الله- من انحرافِ فطرتِه، وتغيّرها، ووفّى بعهدِهِ الذي بينه وبين ربه. المراجع: أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط 2، 1964، 20/144. علي محمد الصلابي، مسودة كتاب قصة الخلق وآدم عليه السلام، جذور الحضارة الإنسانية الأولى. محمد بن أحمد السفاريني، نتائج الأفكار في شرح حديث الاستغفار، تحقيق عبد العزيز الهبدان وعبد العزيز الدخيل، دار الصميعي، ط 1، 1996، ص 240. مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، (جول)، المكتبة العلمية، بيروت، 1979، 1/317.