( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). قوله تعالى: ( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين). اعلم أنه تعالى لما حكى عنه أنه استثنى رب العالمين ، حكى عنه أيضا ما وصفه به مما يستحق العبادة لأجله ، ثم حكى عنه ما سأله عنه ، أما الأوصاف فأربعة: أولها: قوله: ( الذي خلقني فهو يهدين).
{ الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِىٓ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيٓـَٔتِى يَوْمَ الدِّينِ، رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصّٰلِحِينَ} [ سورة الشعراء] الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ: أخلص عبادتي لرب العالمين، الذي أوجدنى بقدرته، والذي يهديني وحده إلى ما يصلح شأنى في دنياى وفي آخرتي. وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ: وهو- سبحانه- وحده الذي يطعمنى ويسقيني من فضله، ولو شاء لأمسك عنى ذلك. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وإن كان الكل من الله- تعالى- تأدبا مع خالقه- عز وجل- وشكرا له- سبحانه- على نعمة الخلق والهداية. والإطعام والإسقاء والشفاء.. وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ إعادة الحياة إلى الميت يوم القيامة أى: ومن صفات رب العالمين الذي أخلص له العبادة، أنه- سبحانه- الذي بقدرته وحده أن يميتني عند حضور أجلى، ثم يعيدني إلى الحياة مرة أخرى يوم البعث والحساب. — الذي خلقني فهو يهدينِ والذي هو يطعمني و يسقينِ و.... وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ: وهو وحده الذي أطمع أن يغفر لي ذنوبي يوم ألقاه لأنه لا يقدر على ذلك أحد سواه- عز وجل-.
وحين نُعرب: { مَرِضْتُ} [الشعراء: 80] نقول: مرض فعل ماضٍ والتاء فاعل، فهل أنا الذي فعلتُ المرض؟ وهذا مِثْل أن نقول: مات فلان، ففلان عامل مع أنه لم يحدث الموت؛ لذلك يجب أن نتنبه إلى أن الفاعل يعني مَنْ فعل الفعل، أو اتصف به، والفاعل هنا لم يفعل الفعل وإنما اتصف به. وقال { مَرِضْتُ} [الشعراء: 80] تأدباً مع الله تعالى، فلم يقل: أمرضني ونسب المرض الظاهر إلى نفسه. أما في المسائل التي لا يدَّعيها أحد، فتأتي بالفعل دون توكيد، كما في الآية بعدها: { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي}
أذهب البأس ربّ النّاس، واشفِ وأنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً. أفوض أمري إلى الله، والله بصير بالعباد، اللهمّ إنّي أسألك من عظيم لطفك وكرمك وسترك الجميل أن تشفيه وتمدّه بالصحّة والعافية. (الذي خلقني فهو يهدين) زيد الشنطي. اللهم يا مسهل الشديد وملين الحديد ويا منجز الوعيد ويا من توكل كل يوم في أمر جديد، أخرج مرضانا ومرضى المسلمين من حلق الضيق إلى أوسع الطريق. بك أدفع عن المسلمين ما لا يطيقون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. اللهمّ اشفه شفاءً ليس بعده سقمٌ أبداً، اللهمّ خذ بيده، اللهمّ احرسه بعينك التّي لا تنام، واكفه بركنك الذي لا يرام، واحفظه بعزّك الّذي لا يُضام، واكلأه في الّليل وفي النّهار. ما رواه أبو داود عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له فليقل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ. ) وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (ما من عبدٍ مسلم يعودُ مريضًا لم يحضر أجلُهُ فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك؛ إلا عُوفي).
وتكرير اسم الموصول في المواضع الثلاثة مع أن مقتضى الظاهر أن تعطف الصلتان على الصلة الأولى للاهتمام بصاحب تلك الصلات الثلاث; لأنها نعت عظيم لله تعالى فحقيق أن يجعل مستقلا بدلالته. وأطلق على رجاء المغفرة لفظ الطمع تواضعا لله تعالى ، ومباعدة لنفسه عن هاجس استحقاقه المغفرة ، وإنما طمع في ذلك لوعد الله بذلك. والخطيئة: الذنب. يقال: خطئ إذا أذنب. وتقدم في قوله تعالى: نغفر لكم خطاياكم في البقرة. الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين. والمقصود في لسان الشرائع: مخالفة ما أمر به الشرع. وإذ قد كان إبراهيم حينئذ نبيئا والأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها فالخطيئة منهم هي مخالفة مقتضى المقام النبوي. والمغفرة: العفو عن الخطايا ، وإنما قيده ب ( يوم الدين); لأنه اليوم الذي يظهر فيه أثر العفو ، فأما صدور العفو من الله لمثل إبراهيم عليه السلام ففي الدنيا ، وقد يغفر خطايا بعض الخاطئين يوم القيامة بعد الشفاعة. [ ص: 144] ويوم الدين: هو يوم الجزاء ، وهذا الكلام خبر يتضمن تعريضا بالدعاء. وقد أشار في هذه النعوت إلى ما هو من تصرفات الله في العالم الحسي بحيث لا يخفى عن أحد قصدا لاقتصاص إيمان المشركين إن راموا الاهتداء. وفي تلك النعوت إشارة إلى أنها مهيئات للكمال النفساني فقد جمعت كلمات إبراهيم عليه السلام مع دلالتها على انفراد الله بالتصرف في تلك الأفعال التي هي أصل أطوار الخلق الجسماني دلالة أخرى على جميع أصول النعم من أول الخلق إلى الخلق الثاني وهو البعث ، فذكر خلق الجسد وخلق العقل وإعطاء ما به بقاء المخلوق وهو الغذاء والماء ، وما يعتري المرء من اختلال المزاج وشفائه ، وذكر الموت الذي هو خاتمة الحياة الأولى ، وأعقبه بذكر الحياة الثانية للإشارة إلى أن الموت حالة لا يظهر كونها نعمة إلا بغوص فكر ولكن وراءه حياة هي نعمة لا محالة لمن شاء أن تكون له نعمة.