لن أناقش هذا السؤال في قالبه الثقافي المحض، فأنا ما زلت احتفظ بهويتي كمعماري، كما أنني أرى أن العمارة تعبر عن الثقافة أو هي انعكاس لها، لذلك فإن محاورتي للسؤال ستكون في قالبها المعماري الذي قد يمتد ليشمل بعض الجوانب السياسية والثقافية المحضة التي تؤكد "الظلية" التي عليها ثقافتنا. على أنه يجب أن نوضح أننا لا نجد مفراً من أن نتفق مع ما اتفق عليه مثقفونا من اعتبار الحملة الفرنسية على مصر (عام 1798م) هي بداية ما يمكن أن نسميه عصر النهضة العربية، وما يمكن أن نعتبره بداية الثقافة العربية المعاصرة. براجراف موضوع تعبير عن حياة الرسول بالانجليزي ومترجم, انشاء تعبير عن الهجرة النبوية الشريفة بالأفكار والعناصر مختصر – الوعد الأخباري. مع أنني استغرب اعتبار الحملة الفرنسية هي البداية لنهضتنا، كون تأثيرها ضعيف جداً من الناحية الثقافية، حتى أن المؤرخ الفرنسي (أندريه ريمون) في كتابه "القاهرة" يقول إن "التأثير الفعلي الذي حدث في مصر هو تأثير محمد علي وليس تأثير الثورة الفرنسية"، ويرى أن المجتمع العربي في مصر كان مستعداً لبداية جديدة في ذلك الوقت، على أنه حوار الظل مع الغرب هو ما يجعلنا نتشبث بهذه البداية غير المبررة. عندما طُلب مني ذات مرة أن أتحدث عن التجربة الفكرية التي خاضتها العمارة العربية، لم أجد بداً من البحث في العقل العربي خلال القرنيين الأخيرين واكتشفت أن جميع ردود الأفعال التي شكلت التحول في الإطر الفكرية للعمارة Paradigms Shift كانت كلها تحولات سياسية وثقافية وأن العمارة ذاتها استخدمت كوسط ورمز للتعبير عن هذه التحولات، أو لنقل الرغبات في اظهار الارتباط بالغرب عن طريق المنتج المعماري.
كما أنني وجدتها لعبة مسلية أن أرى ارتباط العمارة بالسياسة وكيف شكل هذا الارتباط هوية المدينة العربية المعاصرة. ولا أخفيكم القول أن هذه اللعبة فيها مجازفة ويجب لعبها بحذر لأن فيها الكثير مما يجب أن لا يقال، على الأقل كلما اقتربنا من وقتنا المعاصر. أما الممتع في الأمر أنني كلما أمعنت في الواقع العربي، كلما اكتشفت تغلغل الغرب بثقافته فيه، ولكنه تغلغل مشوه لا يمت بصلة للغرب ولا لثقافتنا، كما أنني صرت ازداد قناعة أن هذا الحوار الظلي مع الغرب هو الذي أحدث عمارتنا المشوهة، ومن ثم ظهور قضايا مثل "الهوية المعمارية" و"شخصية المدينة" و"العودة للتراث" وغيرها وكأنها قضايا مرتبطة بممارسة العمارة وأن حلها يكمن في إعادة النظر في هذه الممارسة، وغالباً ما يغفل ارتباط العمارة بالسياسة واستخدام السياسيين لها كأداة للوصول إلى أغراضهم الرمزية ومخاطبة شعوبهم مادياً وبصرياً عن طريقها. والحقيقة التي لا مراء فيها أن قضية الهوية المعمارية لا يمكن أن تحل إلاّ من خلال حل شامل للهوية الثقافية العربية، وهي المسألة التي تحتاج إلى مناقشة شفافة أكثر بكثير مما هو مطروح الآن على الساحة الفكرية العربية. في حوارنا المعماري مع الغرب يمكن أن نقسم التحول الفكري في العمارة العربية إلى أربع مراحل، وأنا هنا لن أقحم القارئ في التفاصل حتى لا يشعر بالملل، وسوف نجعل القرن التاسع عشر بأكمله المرحلة الأولى، فهو القرن الذي شكل "ثقافة الأزمة"، وصنع موقف "الأنا" المتخلف و"الآخر" المتقدم.
والغريب أننا لم نمل من هذا الحوار البائس مع أنفسنا حول الغرب وكأنه ينتظرنا أن نقرر، فلم تخرج أفكار ذات قيمة في العالم العربي إلاّ بعد أن مل منها الغرب، ولم تتطور مدارس فكرية إلاّ نتيجة لموقف اتخذناه من الغرب. ومع ذلك لم نصل لمرحلة "تعريف الذات"، ربما تكون المرحلة الثالثة في الفكر العربي هي تلك المرحلة التي بدأت مع المد القومي وانتهت مع نهاية مدرسة بعد الحداثة. فالقومية هي ردة فعل لفكرة لذيذة راودت أحلامنا، فنحن العرب الخارجين من براثن الاستعمار كنا بحاجة لعقد سياسي وثقافي يشعرنا بأننا استعدنا عافيتنا، والقومية، كفكرة، كان المناخ مهيئاً لها. انعكاس الفكر القومي على العمارة كان مصاحباً للنقد اللاذع الذي كانت تتعرض له العمارة الحديثة في الغرب والرغبة في العودة إلى التاريخ والتراث الذي تأسس بوضوح في مطلع السبعينات مع مدرسة ما بعد الحداثة، لقد شجع الفكر القومي الاستعارة من التراث لخدمة الهدف السياسي الذي كان يرى أن مخزون التراث العربي هو جزء لا يتجزأ من التاريخ القومي للأمة العربية الذي يجب على كل عربي أن يفخر به. والحقيقة أن النتيجة كانت ظهور عمارة قشرية سطحية لا ترقى إلى ما انتجه الغرب من عمارة، رغم أنها المحاولة الأولى في العالم العربي، في رأيي، لتأسيس مدرسة فكرية منفصلة عن ذلك الحوار البائس مع الذات حول الغرب، ولكن لم يكتب لها النجاح نتيجة لغياب المؤسسات الفكرية القادرة على صناعة ثقافة مستقلة في العالم العربي.