كما أنَّ إسبالَ الثَّوبِ وجَرَّه يستلزمُ الخُيَلاءَ، كما نَصَّ على ذلك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقَولِه لجابِرِ بنِ سُليمٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (إيَّاك وإسبالَ الإزارِ؛ فإنَّها من المَخِيلَةِ، وإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلةِ). رواه أحمد وأبو داود، وهو حديثٌ حَسَنٌ. حكم عمل المرأة كموديل إسلامي ونشر صورها لعرض الملابس على مواقع التواصل - الإسلام سؤال وجواب. قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في الفتح (10/264): (وحاصِلُه: أنَّ الإسبالَ يستلزمُ جرَّ الثَّوبِ، وجرَّ الثَّوبِ يستلزِمُ الخُيَلاءَ، ولو لم يقصِدِ اللابِسُ الخُيَلاءَ، ويؤَيِّدُه: ما أخرجه أحمدُ بن منيع من وجهٍ آخَرَ عن ابنِ عُمَرَ في أثناءِ حديثٍ رَفَعه: (وإيَّاك وجَرَّ الإزارِ؛ فإنَّ جَرَّ الإزارِ من المَخِيلةِ). وقال تعقيبًا على حديثِ أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها لَمَّا سألَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فكيف يصنَعْنَ النِّساءُ بذُيولِهنَّ؟ حيث فَهِمَت أنَّ الزَّجرَ عن الإسبالِ مُطلقًا ولو من غيرِ خُيَلاءَ: (ويستفادُ من هذا الفَهمِ التعقيبُ على من قال: إنَّ الأحاديثَ المطلَقةَ في الزَّجرِ عن الإسبالِ مُقَيَّدةٌ بالأحاديثِ الأخرى المصَرِّحةِ بمن فعله خيلاءَ... ووجهُ التعقيبِ أنَّه لو كان كذلك لَما كان في استفسارِ أمِّ سَلَمةَ عن حُكمِ النِّساءِ في جَرِّ ذُيولِهنَّ معنًى، بل فَهِمَت الزَّجْرَ عن الإسبالِ مُطلَقًا، سواءٌ كان عن مَخِيلةٍ أم لا).
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة ، وهذا كما ترى بين لا يخفى.
والأدِلَّةُ على التحريمِ واضِحةٌ وصريحةٌ ، منها: حديثُ أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا: (ما أسفَلَ من الكعبينِ من الإزارِ ففي النَّارِ). رواه البخاري. وحديثُ حُذَيفةَ بنِ اليمانِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (أخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضلةِ ساقِي -أو ساقِه- فقال: هذا موضِعُ الإزارِ، فإن أبيتَ فأسفَل، فإن أبيتَ فلا حَقَّ للإزارِ في الكعبينِ). رواه أحمد والترمذي، وهو حديثٌ صحيحٌ. وغيرُها من الأحاديثِ. حكم تطويل الثوب الفلسطيني. وسَبَبُ صَرفِ هذه الأدِلَّةِ الصَّريحةِ الواضِحةِ عن التحريمِ عند من لا يقولُ به: وجودُ أحاديثَ عَلَّقت التحريمَ بالخُيَلاءِ، كحديثِ: (لا ينظُرُ اللهُ إلى من جَرَّ ثوبَه خُيَلاءَ). رواه البخاري ومسلم، فقالوا: تلك أحاديثُ مُطلَقةٌ، وهذه مُقَيَّدةٌ؛ فحَمَلوا المُطلَقَ على المقيَّدِ، وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ حَملَ المطلَقِ على المقَيَّدِ إنما يكونُ إذا اتَّحدا في السَّبَبِ والحُكمِ، وأمَّا إذا اختلفا فالأصوليون متَّفِقون على امتناعِ حَملِ أحدِهما على الآخَرِ، وهنا عندنا سببانِ وعُقوبتانِ: الإسبالُ ، وعقوبتُه النَّارُ. الجرُّ -وهو قَدرٌ زائدٌ عن الإسبالِ- وعقوبتُه ألَّا ينظُرَ اللهُ إليه.
أمَّا القولُ بأنَّهما عقوبةٌ واحدةٌ، وأنَ من دخل النَّارَ لم ينظُرِ اللهُ إليه، ومن لم ينظُرِ اللهُ إليه، فمأواه النَّارُ؛ فغيرُ صَحيحٍ، بل هما عقوبتانِ، ولو كان أحَدُهما يستلزمُ الآخَرَ، ونظيرُ هذا في القرآنِ الكريمِ كثيرٌ، كقَولِه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} وغيرِها من الآياتِ، وكذا السُّنَّةُ المطَهَّرةُ. وممَّا يؤَيِّدُ خَطَأَ حَملِ المطلَقِ على المقَيَّدِ حديثُ العلاءِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ عن أبيه قال: سألتُ أبا سعيدٍ الخُدريِّ عن الإزارِ فقال: على الخبيرِ سَقَطْتَ! قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إِزْرةُ المسلِمِ إلى نِصفِ السَّاقِ، ولا حرج -أو لا جُناحَ - فيما بينه وبين الكعبينِ، ما كان أسفَلَ من الكعبينِ فهو فى النَّارِ، من جرَّ إزارَه بطَرًا لم ينظُرِ اللهُ إليه). أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ومالك. وهو حديثٌ صحيحٌ، صَحَّحه النوويُّ، وابنُ دقيق العيدِ، والألبانيُّ، وغيرُهم. حكم تطويل الثوب اليمني. فهذا الخبيرُ بحُكمِ إسبالِ الإزارِ رَضِيَ اللهُ عنه يروي حديثًا عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه السَّببانِ والعُقوبتانِ، وقد فَرَّق بينهما.