فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول الله قال: وقالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولى. فلما حضرت العصر صفنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا... " الحديث. ويتجلى في الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بصلاة الجماعة مع علمه بقرار المشركين الإغارة على المسلمين. صلاة الجماعة مع شدة المرض: ففي مرضه الذي مات فيه اغتسل عدة مرات لعله يتمكن من الصلاة مع المسلمين في الجماعة لكنه في كل مرة يحاول الخروج يغمى عليه فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام ولما وجد رسول الله في نفسه خفة خرج إلى الصلاة، لكن كيف كانت خفته ؟ تجيب عائشة رضي الله عنها على ذلك فتقول: " فوجد من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين( يستند عليهما)كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع" فهو حال خفته التي حرص معها على الخروج لا يستطيع رفع رجليه عن الأرض، صلى الله عليه وسلم. ولما جاءه رجل أعمى يقول: ليس لي قائد يقودني فهل لي رخصة؟ قال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ قال: نعم. قال:" فأجب". إذا كان هذا في الأعمى فما بالك بالمبصرين الأصحاء.
[ ص: 154] قوله: ( باب فضل صلاة الجماعة) أشار الزين بن المنير إلى أن ظاهر هذه الترجمة ينافي الترجمة التي قبلها ، ثم أطال في الجواب عن ذلك ، ويكفي منه أن كون الشيء واجبا لا ينافي كونه ذا فضيلة ، ولكن الفضائل تتفاوت ، فالمراد منها بيان زيادة ثواب الجماعة على صلاة الفذ. قوله: ( وكان الأسود) أي ابن يزيد النخعي أحد كبار التابعين ، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ولفظه " إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه ". ومناسبته للترجمة أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده لما ترك فضيلة أول الوقت والمبادرة إلى خلاص الذمة وتوجه إلى مسجد آخر ، كذا أشار إليه ابن المنير ، والذي يظهر لي أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته مثلا كما سيأتي البحث فيه في الكلام على حديث أبي هريرة ، لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد لجمع الأسود في مكانه ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة كما سنبينه. قوله: ( وجاء أنس) وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال: " مر بنا أنس بن مالك [ ص: 155] في مسجد بني ثعلبة " فذكر نحوه قال: وذلك في صلاة الصبح ، وفيه " فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه " وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد ، وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال " مسجد بني رفاعة " وقال " فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه " وهو يؤيد ما قلناه من إرادة التجميع في المسجد.
شاهد أيضًا: حديث يدل على خطورة ترك الصلاة حكم صلاة الجماعة صلاة الجماعة واجبة وجوبًا عينيًا على الرجال، وهو مذهب الحنابلة، وبعض الحنفية، ووجه عند الشافعية، وهو قول طائفة من السلف، اختاره البخاري، وابن المنذر، وابن حزم، وابن تيمية، وابن باز، وابن عثيمين، وإذا تمالأ أهل بلد على ترك إظهار صلاة الجماعة قوتلوا، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. أما النساء فيستحب أن يصلين جماعة مع بعضهن البعض، وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة، وبه قالت طائفة من السلف، واختاره ابن حزم، وابن القيم، واختاره ابن باز، ويباح للنساء حضور الجماعة في المساجد، وإن كانت صلاتها في بيتها خيرًا لها وأفضل، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. [5] شاهد أيضًا: ما صحة حديث من ترك صلاة الفجر فليس في وجهه نور الحكمة من صلاة الجماعة من حكم صلاة الجماعة ما يلي: [6] زرع المودة والمحبة بين المسلمين، مع كونها وسيلة للتعارف فيما بينهم. إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام. تعويد الأمة الإسلامية على الاجتماع، وعدم التفرق. تعويد المسلم على ضبط النفس؛ فمتابعة الإمام في الصلاة يدربه على ضبط النفس.
لقد فرض الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة وهي كأجر خمسين صلاة، ورتب الله الثواب الجزيل على أداء الصلاة في الجماعة، وهذا ما نطقت به الأدلة الكثيرة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ".