فيه أربع مسائل:الأولى: روى قتادة وابن عباس ومجاهد في سبب نزول هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب زينب بنت جحش ، وكانت بنت عمته ، فظنت أن الخطبة لنفسه ، فلما تبين أنه يريدها لزيد ، كرهت وأبت وامتنعت ، فنزلت الآية. فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته. في رواية: فامتنعت وامتنع أخوها عبد الله لنسبها من قريش ، وأن زيدا كان بالأمس عبدا ، إلى أن نزلت هذه الآية ، فقال له أخوها: مرني بما شئت ، فزوجها من زيد. وقيل: إنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، فزوجها من زيد بن حارثة ، فكرهت ذلك هي وأخوها وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا غيره ، فنزلت الآية بسبب ذلك ، فأجابا إلى تزويج زيد ، قاله ابن زيد. وقال الحسن: ليس لمؤمن ولا مؤمنة إذا أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بأمر أن يعصياه. و ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة - مع القرآن (من لقمان إلى الأحقاف ) - أبو الهيثم محمد درويش - طريق الإسلام. الثانية: لفظة ( ما كان ، وما ينبغي) ونحوهما ، معناها الحظر والمنع. فتجيء لحظر الشيء والحكم بأنه لا يكون ، كما في هذه الآية. وربما كان امتناع ذلك الشيء عقلا كقوله تعالى: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها وربما كان العلم بامتناعه شرعا كقوله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة وقوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب.
والخطأ المحض هو: أن لا يقصد ضربه بل قصد شيئا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص فيه ، بل تجب دية مخففة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين. وتجب الكفارة في ماله في الأنواع كلها ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: قتل العمد لا يوجب الكفارة ، لأنه كبيرة كسائر الكبائر. ودية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل وجبت قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول ، وفي قول يجب بدل مقدر منها وهو ألف دينار ، أو اثنا عشر ألف درهم ، لما روي عن عمر رضي الله عنه: فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنى عشر ألف درهم ". وذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل ، أو ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم ، وهو قول عروة بن الزبير والحسن البصري رضي الله عنهما ، وبه قال مالك. وذهب قوم إلى أنها مائة من الإبل أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة النساء - تفسير قوله تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ "- الجزء رقم2. [ ص: 265] ودية المرأة نصف دية الرجل ، ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم ، إن كان كتابيا ، وإن كان مجوسيا فخمس الدية ، روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم ، ودية المجوسي ثمانمائة ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه.
ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم أنه لا يؤمن، لأن الأمر لإقامة الحجة، ومعرفة العاقبة] وهذا حقيقة، فالرسول يعرف أن الله قد يزوجه بها ويقول لـ زيد: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37]. وغير ذلك. والدليل على أنه يعرف: أن الله يأمر عباده وهو يعلم أنهم لا يستجيبون. وكذلك هو يأمره، وهو يعرف أنه ما يستجيب، وأنه لابد أن يطلقها، لكن من الخير أن يقول له: اصبر واحتسب، وابق مع زوجتك. وقال في النهر أيضاً: [ وروي أن زينب كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأدل عليك بثلاث] أي: أتفضل وأتكبر وأرتفع بثلاث [ ما من نسائك امرأة تدل بهن: أولاً: أن جدي وجدك واحد] وهذه تدل بها على كل نساء العالم، وهي أنها والرسول جدهما واحد؛ لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب ، وهو ابن عبد الله بن عبد المطلب. فهذا فضل حاصل لها، وهو أن جدها وجده واحد. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله. ولا أحد يبلغ هذا الكمال. والثانية: [ وأن الله أنكحك إياي من السماء] أي: وأن الله زوجك إياي من السماء، وليس من الأرض. وثالثاً: [ وأن السفير في ذلك جبريل] عليه السلام. [ سابعاً: تقرير حديث ( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه).
• فاستدلت بالسنة ولم تذكر العلة، وهذا هو حقيقة التسليم لله ورسوله. وقد ذكر العلماء أنه لا بأس من التماس الحكمة من النصوص الشرعية؛ لأننا نعلم أن أوامر الشرع ونواهيه كلها لحكمة ومِن حكيمٍ، ولكن الأصل التسليم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يعلم أن أعظم سبب وعلة هي العبودية لله تعالى وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الإمام ابن جُزَيٍّ في تفسيره على هذه الآية: معناها أنه ليس لمؤمن ولا مؤمنة اختيار مع الله ورسوله، بل يجب عليهم التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله؛ انتهى.
فإذا قضى الله تعالى عليك بأمر فيجب أن تسلم لله أمره، وتقضي ما أمرك به، أو تنتهي عما نهاك عنه. ولا حق لمؤمن أن يختار أبداً، بل الأمر لله، فهو الحاكم، وهو العليم. فإذا حكم بحلية شيء فهو حلال، ولا يحل لك أن تقول فيه: حرام، وإذا حرم شيئاً فلا يحل أن تقول: إنه حلال، وإن فعلته فقد خرجت عن دائرة الإيمان، ولست بمؤمن أبداً أبداً، وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ [الأحزاب:36]. وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله. وذكر حتى النساء فيه، فقال: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36]، أي: إذا حكما بشيء لم يكن لهم الخيرة في ذلك أبداً، بل يجب أن ينقادوا ويخضعوا ويستسلموا. هذه هداية الآية الأولى. [ ثانياً: بيان أن من يعص الله ورسوله] بترك واجبات أو فعل محرمات في الاعتقادات أو الأقوال أو الأعمال أو الصفات [ يخرج عن طريق الهداية إلى طريق الضلالة] لقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ [الأحزاب:36] عن الهدى، وخرج عن طريق السعادة والكمال، وأصبح ماشياً في طريق الضلال والشقاء والخسران. [ ثالثاً: جواز عتاب الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم] فلله أن يعتب على رسوله، والعتاب كاللوم، لأن الرسول كما علمتم تألم من زواجه بامرأة زيد ؛ خوفاً من المنافقين واليهود أن يقولوا: تزوج امرأة دعيه، وأنها أعجبته وفتنته بجمالها، ويغنون كما تعرفون.