الأول: المسبل إزاره خيلاء وتكبراً وهذا النوع الأول من ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم وسيكون عقابه شديد وسنعرف معناه فيما يلي: يخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلّم في هذا النوع عن المسبل أي الذي يطول ثوبه دون وجود عيب في جسده ليداريه، ويفعل ذلك من باب العجب والكبر والخيلاء. وذلك استعلاء على الفقراء وأنه يرى نفسه أفضل منهم وأعلى مكانه بين القوم، مما يجعل الفقراء يشعرون بفقرهم وعجزهم فيجازيه الله جزاء فعلته هذه. أما الإزار فهو ما يلبسه الرجل على الخصر، ليغطي الجزء الأسفل من الجسم. ويمكن أن يكون الإسبال بدون قصد، أو لإخفاء عيب، أو من باب التكبر والاستعلاء وهذا النوع الأخير الذي ورد فيه الحديث. وهناك دلائل أخرى حينما روى أبو هريرة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ إلى مَن جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا). كما ورد عن أبو بكر -رضي َ الله عنه- لمّا أخبر رسول الله عن إزاره الطّويل الذي يسترخي عليه لنحوله جسده، فردّ عليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ). الثاني: المنان الذي يعطي الناس منّة سنتعرف الآن على معنى النوع الثاني وهو المنان فمن يكون المنان وماذا يفعل هذا ما سنعرفه فيما يلي: إن المنان هو من يعطي للناس شيء وبعد ذلك يمن به عليهم، وهذا الفعل يبطل ثواب العمل ويمنع فضل الله ورحمته عنه.
الحديث السادس: قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده ، ورجل حلف على سلعة بعد العصر - يعني كاذبا - ورجل بايع إماما ، فإن أعطاه وفى له ، وإن لم يعطه لم يف له ". ورواه أبو داود ، والترمذي ، من حديث وكيع ، وقال الترمذي: حسن صحيح.
ولا يزكيهم أي: لا يُثْنِي عليهم، ولا يُطَهِّرُهم مِن دَنَس الذنوب بالمغفرة. عذاب أليم مُوجِعُ؛ لأنهم لما عَظُم ذَنْبُهم عَظُمَتْ عُقُوبتُهم. أشيمط زان تصغير أَشْمَط وهو الذي في شَعَره شَمَط؛ أي: شَيْب، وصُغِّر تحقيرًا له؛ لأنه زنَى وداعي الزِّنا قد ضعُف عنده؛ فدَلَّ على أن المعصية طَبْعٌ له وجِبِلَّة. وعائل مستكبر العائل: الفقير ذو العِيَال، ومستكبر: أي: متكبِّر على الناس مع أن سبب الكِبْر غير موجود فيه، وهو الجاه والمال؛ فدلَّ على أن الكبر طَبْع له وجِبِلَّة، يَتَكَبَّر مع أنه فقير والكِبْر: رد الحقِّ واحتقار الناس. جعل الله بضاعته أي: جعل الحَلِف بالله بضاعةً له؛ لكثرة استعماله في البيع والشراء. فوائد من الحديث: التحذير من كثرة استعمال الحلف في البيع والشراء، والحث على توقير اليمين، واحترام أسماء الله -سبحانه-، قال -تعالى-: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم). إثبات الكلام لله -تعالى-، وأنه يُكَلِّمُ مَن أطاعه، ويُكْرِمُه بذلك. التحذير من جريمة الزِّنا لا سيما مِن كبير السِّنِّ. التحذير من الكِبْر لا سيما في حقِّ الفقير. المراجع: الجديد في شرح كتاب التوحيد، للقرعاوي، تحقيق: محمد بن أحمد سيد أحمد، ط5، مكتبة السوادي، جدة، المملكة العربية السعودية، 1424هـ.
وسمع ابْنُ سِيرِين رجلاً يَقُول لآخر: أَحْسَنتُ إِلَيْك وَفعلت وَفعلت! فَقَالَ لَهُ ابْن سِيرِين: " اسْكُتْ, فَلَا خير فِي الْمَعْرُوف إِذا أُحصي ". أَفْسَدْتَ بِالْمَنِّ مَا قَدَّمْتَ مِنْ حَسَنٍ *** لَيْسَ الْكَرِيمُ إذَا أَعْطَى بِمَنَّانِ قال زيد بن أسلم: " إذا أعطيت رجلاً شيئاً, ورأيت أن سلامك يثقل عليه -أي: لكونه يتكلف لك قياماً ونحوه لأجل إحسانك عليه- فكُفَّ سلامك عنه ". قال الهيتمي: وإنما كان المنّ من صفاته - تعالى – العلية, ومن صفاتنا المذمومة؛ لأنه مِنهُ -تعالى - إفضالٌ، وتذكير بما يجب على الخلق من أداء واجب شكره, ومنّا تعييرٌ وتكديرٌ، إذ آخذُ الصدقةِ -مثلاً- منكسرُ القلب لأجل حاجته إلى غيره, معترفٌ له باليد العليا؛ فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهارَ إنعامه تعديداً عليه, أو ترفعاً، أو طلباً، لمقابلته عليه بخدمةٍ أو شكرٍ, زاد ذلك في مضرةِ الآخذ, وانكسار قلبه, وإلحاق العار والنقص به, وهذه قبائح عظيمة. على أن فيه -أيضاً- النظرَ إلى أن له ملكاً وفضلاً, وغفلة عن أن الله هو المالكُ الحقيقي، وهو الذي يسّر الإعطاء وأقدر عليه. فوجب النظر إلى جناب الحق، والقيامُ بشكره على ذلك، والإعراضُ عما يؤدي إلى منازعةِ الله في فضله وجوده, إذ لا يمن إلا من غفل أن الله -تعالى- هو المعطي والمتفضل.