قوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب قوله تعالى: زين للذين كفروا الحياة الدنيا على ما لم يسم فاعله. والمراد رؤساء قريش. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس على بناء الفاعل. قال النحاس: وهي قراءة شاذة ؛ لأنه لم يتقدم للفاعل ذكر. وقرأ ابن أبي عبلة: " زينت " بإظهار العلامة ، وجاز ذلك لكون التأنيث غير حقيقي ، والمزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر ، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه. وخص الذين كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة ، وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الآخرة بسببها. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا "- الجزء رقم1. وقد جعل الله ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عملا ، فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع لم تفتنهم الزينة ، والكفار تملكتهم لأنهم لا يعتقدون غيرها. وقد قال أبو [ ص: 29] بكر الصديق رضي الله عنه حين قدم عليه بالمال: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا. قوله تعالى: ويسخرون من الذين آمنوا إشارة إلى كفار قريش ، فإنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا ويغتبطون بها ، ويسخرون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن جريج: في طلبهم الآخرة.
والتزيين: جعل الشيء زينا أو الاحتجاج لكونه زينا ، لأن التفعيل يأتي للجعل ويأتي للنسبة كالتعليم وكالتفسيق والتزكية ، والزين شدة الحسن. والحياة الدنيا مراد بها ما تشتمل عليه الحياة من اللذات والملائمات والذوات الحسنة ، وهذا إطلاق مشهور للحياة وما يرادفها; ففي الحديث: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أي إلى منافع دنيا ، وهو على حذف مضاف اشتهر حذفه. Hass — زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا. ومعنى تزيين الحياة لهم ، إما أن ما خلق زينا في الدنيا قد تمكن من نفوسهم واشتد توغلهم في استحسانه ، لأن الأشياء الزينة هي حسنة في أعين جميع الناس فلا يختص الذين كفروا بجعلها لهم زينة كما هو مقتضى قوله: للذين كفروا; فإن اللام تشعر بالاختصاص ، وإما ترويج تزيينها في نفوسهم بدعوة شيطانية تحسن ما ليس بالحسن كالأقيسة الشعرية والخواطر الشهوية ، والمزين على المعنى الأول هو الله تعالى إلا أنهم أفرطوا في الإقبال على الزينة ، والمزين على المعنى الثاني هو الشيطان ودعاته. وحذف فاعل التزيين ، لأن المزين لهم أمور كثيرة: منها خلق بعض الأشياء حسنة بديعة كمحاسن الذوات والمناظر ، ومنها إلقاء حسن بعض الأشياء في نفوسهم وهي غير حسنة كقتل النفس ، ومنها إعراضهم عمن يدعوهم إلى الإقبال على الأمور النافعة حتى انحصرت هممهم في التوغل من المحاسن الظاهرة التي تحتها العار لو كان باديا ، ومنها ارتياضهم على الانكباب على اللذات دون الفكر في المصالح ، إلى غير ذلك من أمور يصلح كل منها أن يعد فاعلا للتزيين حقيقة أو عرفا ، فلأجل ذلك طوي ذكر هذا الفاعل تجنبا للإطالة.
قال ابن زيد في هذه الآية: اختلفوا في القبلة فمنهم من يصلي إلى المشرق ومنهم من يصلي إلى المغرب ومنهم من يصلي إلى بيت المقدس فهدانا الله إلى الكعبة واختلفوا في الصيام فهدانا الله لشهر رمضان واختلفوا في الأيام فأخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدانا الله للجمعة واختلفوا في إبراهيم عليه السلام فقالت اليهود كان يهوديا وقالت النصارى كان نصرانيا فهدانا الله للحق من ذلك واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى إلها وهدانا الله للحق فيه ( والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
وثالثها وهو قول ابن الأنباري: إنما لم يقل: زينت; لأنه فصل بين زين وبين الحياة الدنيا بقوله: ( للذين كفروا) وإذا فصل بين فعل المؤنث وبين الاسم بفاصل ، حسن تذكير الفعل; لأن الفاصل يغني عن تاء التأنيث.
الآيات القرآنية > 0002 - سورة البقرة ✔ >
وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل قال جماعة منهم. * ذكر من قال ذلك: ٤٠٤٦ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله:" زُيِّن للذين كفروا الحياة الدنيا"، قال: الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها =" ويسخرون من الذين آمنوا"، في طلبهم الآخرة - قال ابن جريج: لا أحسبه إلا عن عكرمة، قال: قالوا: لو كان محمد نبيًا كما يقول، لاتبعه أشرافنا وساداتنا! والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود! ٤٠٤٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:" والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة"، قال:"فوقهم" في الجنة. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢١٢) ﴾ قال أبو جعفر: ويعني بذلك: والله يعطي الذين اتقوا يوم القيامة من نعمه وكراماته وجزيل عطاياه، بغير محاسبة منه لهم على ما منّ به عليهم من كرامته. فإن قال لنا قائل: وما في قوله:" يرزق من يشاء بغير حساب" من المدح؟ قيل: المعنى الذي فيه من المدح، الخيرُ عن أنه غير خائف نفادَ خزائنه، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها، إذ كان الحساب من المعطي إنما يكون ليعلم قَدْر العطاء الذي يخرج من ملكه إلى غيره، لئلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يُجحف به، فربنا تبارك وتعالى غيرُ خائف نفادَ خزائنه، ولا انتقاصَ شيء من ملكه، بعطائه ما يعطي عبادَه، فيحتاج إلى حساب ما يعطي، وإحصاء ما يبقي.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: زيِّن للذين كفروا حبُّ الحياة الدنيا العاجلة اللذات، [[في المطبوعة: "العاجلة في الذنب" وهو كلام بلا معنى. وقد سمى الله الدنيا"العاجلة" لتعجيله الذين يحبونها ما يشاء من زينتها ولذتها، وهو يشير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [سورة الإسراء: ١٨]. ]] فهم يبتغون فيها المكاثرة والمفاخرة، ويطلبون فيها الرياسات والمباهاة، ويستكبرون عن اتباعك يا محمد، والإقرار بما جئت به من عندي، تعظُّمًا منهم على من صدَّقك واتبعك، ويسخرون بمن تبعك من أهل، الإيمان، والتصديق بك، في تركهم المكاثرة، والمفاخرة بالدنيا وزيتها من الرياش والأموال، بطلب الرياسات وإقبالهم على طلبهم ما عندي برفض الدنيا وترك زينتها، والذين عملوا لي= وأقبلوا على طاعتي، ورفضوا لذات الدنيا وشهواتها، اتباعًا لك، وطلبًا لما عندي، واتقاءً منهم بأداء فرائضي، وتجنُّب معاصيَّ = فوق الذين كفروا يوم القيامة، بإدخال المتقين الجنة، وإدخال الذين كفروا النار.