ريعان الشّباب وحكمة الشيُوخ حريّ بنا أن نلقي نظرة عَجْلىَ على أهمّ الأحداث التي واكبت عبد الرحمن الداخل، وكيف تعرض للعديد من المخاطر والصّعاب، منذ خروجه من الشام ودخوله الأندلس. فبعد انهيار الدولة الأموية، انطلق العبّاسيون يقتفون أثرهم في كل مكان، ويسومونهم أقسى أنواع العذاب والتنكيل، ويطالبون بالقضاء على كلّ من كان ينتمي إلى بني أميّة؛ وكان أشدّ الناس تنكيلاً وفتكاً بهم الأمير "عبد الله بن علي العبّاس"، المعروف بالسفّاح، الذي لجأ – حسب ما تذكر كتب التاريخ – إلى حيلة، إذ أظهر لهم الأمانَ، ووعدهم بالصّفح عنهم، إلاّ أنه انقضّ عليهم بعد جمعهم في وليمة وقضى عليهم. تمثال عبدالرحمن الداخل بالاندلس. ولما انتهى إلى عبد الرحمن خبر ذلك الفتك، نجا بنفسه، وفرّ هارباً متنقلاً من بلد إلى بلد، وهم يطاردونه حتى وصل إلى قبيلة "نفزة" بشمال إفريقيا؛ ثم فكّر في الانتقال إلى الأندلس، نظراً لما كان يسودها من فتن وخلافات وحروب، مستعيناً بموالي بني أمية في الأندلس وأخواله البربر. وقد ركّز الشريط على الجانب المتعلق بالشّطر الأوّل من حياة عبد الرّحمن الداخل في إظهار غِلْظة وقساوة بني العبّاس في تلك الحقبة، والبطش الذي ألحقوه ببني أمية، معتمداً على إبراز اللّون الأسود، شعار بني العباس، موظِّفاً التصوير البطيء لإعطاء دلالة أعمق وأوقع للحدث.
هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي القرشي الملقّب بـ"عبد الرحمن الداخل" و"صقر قريش"؛ أسّس الدولة الأموية في الأندلس بعد انتهاء حكم الأمويين في الشام وانتقال الخلافة إلى يد العباسيين. صقر قريش.. عبد الرحمن الداخل - اليوم. نشأته وُلد عبد الرحمن بن معاوية سنة 113هـ في قرية دير حنا، وقيل وُلد بالعلياء من تدمر في بلاد الشام أثناء خلافة جدّه هشام بن عبد الملك الذي كفله وإخوتَه بعد وفاة أبيه الأمير معاوية بن هشام سنة 118هـ. ويُروى أن عبد الرحمن كان يتلقى معاملة خاصة من جدّه الخليفة، إذ كان يغدق عليه بالعطايا والهدايا لأنّ أخاه مسلمة بن عبد الملك رأى فيه علاماتٍ تدل على أنه المقصود من نبوءة وصلته بأن دولة بني أمية ستنتهي في الشرق وتعود إلى الحياة في الغرب على يديه. سقوط الخلافة الأموية وفراره من الشام اعتمد خلفاء بني أمية في حكمهم على العرب وتعاملوا بشدة وتعسّف مع الأجناس الأخرى من موالي فرس وبربر مغاربة ومسالمة ومولدين أندلسيّين، فمنعوا عنهم المناصب العليا وعاملوهم معاملة السيد للمسود، ولم يطبّقوا معهم مبدأ المساواة التي دعا إليها الإسلام. تراكم الشعور بالحقد والحنق في نفوس الموالي، فاستجابوا لدعوة الشيعة إلى حصر الخلافة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغل العباسيون هذا الأمر فأخذوا يدعون لأئمتهم في السر.
- أحداث الفيلم لم تتّسم بالبطء، بل لجأ المخرج إلى توظيف الظروف المتداخلة التي مرّت بعبد الرحمن في شكل قَصَصِي شيّق ومتتابع معتمداً على الحركة،والإثارة، والإنتقال من مشهد إلى آخر، مع إستخدام عنصر التشويق بذكاء. – مراعاة الشريط لتقاليد كلّ بلد أو بقعة تدور فيها الأحداث من أزياء و غناء وفولكلور.. إلخ. وتنتقل أحداث الفيلم ما بين المشرق العربي، وشمال افريقيا، والأندلس. -الموسيقى التصويرية كانت رائعة وقوية وعنيفة تنسجم مع التطلع، والفوران اللذين كانا يعتملان في نفسية عبد الرحمن القلقة، وتترجم الطموح الكامن بداخله. – التركيز على عناصر لها صلة مباشرة بحياة العرب، والبربر وارتباطهما بها بل والنظر إليها بفلسفة خاصة، القمر، الذي يتحول فجأة إلى هلال، وهو رمز لشعائر المسلمين، البحر الذي لعب دورا مهما في حياة عبد الرحمن الداخل، فلولاه لطالته سيوف العبّاسيين وهو الذي ركبه ونجا ، ووراءه كان ينتظره عالم آخر جديد، آزره وسانده، وساعده على تكوين الدّولة الأموية من جديد. – يضاف إلى ذلك عنصر الصّحراء، والجِمال، والخيول، والخيام، فضلاً عن إستغلاله لعامل الطبيعة (القيظ، الزمهرير، الغروب، الفجر،الغسق، الشفق) كلّها رموز تعبّرعن القلق الداخلي،والتحوّل الذي كان يعتمل فى داخله ،والتطلّع نحو الهدف الذي كان يسعى لتحقيقه.