وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّ حمدَ اللهِ -تعالى- تَمْنَعُ إصابةَ البلاء، فقال: " مَنْ رَأَى مُبْتَلًى، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً؛ لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ "(رواه الترمذي). الخطبة الثانية: الحمد لله.. أيها المسلمون: مَنْ حَمِدَ اللهَ -تعالى- عند طعامه ولِباسِه؛ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه؛ لقول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "(رواه أبو داود والترمذي). ومَرَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ، فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ، فَقَالَ: " إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ؛ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ "(رواه الترمذي).
الخطبة الأولى: الحمد لله في الدنيا والآخرة ( هُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ)[القصص:70]؛ والحمد لله في كلِّ مكانٍ وزمان ( لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)[الروم:18]، ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]. أمَّا بعد: فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا إنَّ الله -جَلَّ ثناؤُه- هو المُستحِقُّ للحمد على الإطلاق؛ كما قال -سبحانه- عن نفسه: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة:2]؛ تكرَّرَت هذه الآيةُ "بلفظها" في "ستةِ مواضِعَ" من القرآن الكريم. وتكرَّرَت كلمةُ "الحمد لله" في القرآن في "ثلاثةٍ وعشرين موضعاً". وافتتح اللهُ -تعالى- بها "خمسةَ سُوَرٍ"، واختتم بها أيضاً "خمسةَ سُوَرٍ" من كتابه العظيم. والألف واللام في "الْحَمْدُ" للاستغراق، أي: هو الذي له جَمِيعُ المَحامِدِ بأسْرِها، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ لله -تعالى-، ولا نُحْصِي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، فالله -تعالى- هو الحميد في ذاته، وفي صفاتِه، وفي أسمائه، وفي أفعالِه.
وإذا أويتَ إلى فِراشك فاحمَدِ اللهَ؛ فإنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أَوَى إلى فِراشِه قال: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ لَهُ، وَلاَ مُؤْوِيَ "(رواه مسلم). وَبعد الاستيقاظ تقول: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "(رواه البخاري ومسلم). أو تقول: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ "(رواه الترمذي). أيها الإخوة الكرام: الكونُ كلُّه ناطِقٌ بحمد الله -تعالى-، وقائِمٌ بحمده، وكلُّ مَوْجُودٍ شاهِدٌ بحمده، وإرسالُه رسلَه بحمده، وإنزالُه كتُبَه بحمده، والجنةُ عَمُرتْ بأهلها بحمده، والنارُ عَمُرتْ بأهلها بحمده، وما أُطيع إلاَّ بحمده، ولا يتحرَّكُ في الكونِ ذرةٌ إلاَّ بحمده، وهو المحمود لذاته - وإنْ لم يحمدْه العباد، فله الحمدُ كلُّه، وله المُلك كلُّه، وبيده الخيرُ كلُّه، وإليه يُرجَعُ الأمرُ كلُّه. (انظر: مدارج السالكين: 2/215). هو الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ واقِعٍ *** أو كان مَفْرُوضاً مَدَى الأَزْمانِ مَلأَ الوُجودَ جَمِيعُه ونَظِيرُه *** مِنْ غَيرِ مَا عَدٍّ ولا حُسْبانِ هُوَ أَهْلُه سُبحانه وبِحَمْدِهِ *** كُلُّ المَحامِدِ وَصْفُ ذِي الإِحْسانِ