وحسب المتقين أن العمل لا يتقبل إلا منهم، قال الفيروز آبادي: " ثم تأمل أصلاً واحداً، هب أنك جاهدت وثابرت جميع عمرك في العبادة، وعشت ما عشت، وحصل لك من العنايات ما حصل، أليس ذلك كله متوقفاً على القبول ؟ وإلا كان هباءً منثوراً، وقد علمنا أن الله تعالى إنما يتقبل الله من المتقين، فرجع الأمر كله إلى التقوى " [بصائر ذوي التمييز].
ومن العلماء من يحمل الآية على الورع باجتناب المتشابه وبعض الحلال، وجعله برزخا بينه وبين الحرام؛ كما جاء في الحديث الصحيح «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ». سئل مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. قَالَ: «تَنَزَّهُوا عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الْحَرَامِ، فَسَمَّاهُمُ اللَّهُ مُتَّقِينَ». ومن العلماء من يذكر مع اجتناب المحرمات: الإخلاص والمتابعة؛ كما نقل ابن رجب عن ابن عجلان قوله: العمل لا يصلح إلاّ بثلاث؛ التقوى لله عزّ وجلّ، والنية الحسنة، والإصابة. إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ - إبراهيم حسن صالح - طريق الإسلام. وكل هذه المعاني المذكورة حول الآية صحيحة، والتقوى درجات، فمن حقق الإخلاص والمتابعة في عمله الصالح، واجتنب المحرمات كان من المتقين، وهو أحرى بالقبول ممن يقارف المحرمات. ومن ترقى إلى اجتناب المتشابهات كان ذلك أكثر لتقواه، وكان أقرب إلى القبول ممن يقع في المتشابهات. لقد حمل الصالحون من المتقدمين والمتأخرين همَّ القبول أكثر من همَّ العمل؛ لأن العمل من كسبهم وسعيهم، ويقدرون عليه، ولكنهم لا يضمنون قبول العمل؛ فذلك إلى الله تعالى لا إليهم، وهو متعلق بإحسان العمل، من الإخلاص فيه، وصلاح القلب في أدائه، واجتناب أسباب الرد وعدم القبول.
ثالثًا: انشراح الصدر للطاعة: إن العبد المؤمن ليدخل في عبوديته لربِّه وهو منشرح الصدر، معظم للموقف بين يديه، يحدوه الحب والرغبة فيما عند الله، فالطاعة عنده قرة عين، وهي أُنْسه وغناه ومُبتغاه؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7]. يقول عَبْدُ اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبِي إِلَى صِهْرٍ لَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: يَا جَارِيَة، ائْتُونِي بِوَضُوءٍ؛ لَعَلِّي أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ، قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((قُمْ يَا بِلَالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ))؛ أخرجه أبو داود، وصحَّحه الألباني. إن الإقبال على الطاعة بحُبٍّ ورغبة ليريح الأجساد والأرواح، فكُلُّ محبٍّ لا يجد راحته ولا أُنْسه إلا في لقاء الحبيب، وبَثِّ ما في النفس بين يديه.
قدمنا لكم في هذا المقال السورة التي ذكر فيها الغراب للمزيد من الاستفسارات؛ راسلونا من خلال التعليقات أسفل المقالة، وسوف نحاول الرد عليكم خلال أقرب وقت ممكن. Mozilla/5. 0 (Windows NT 10. 0; WOW64; rv:56. 0) Gecko/20100101 Firefox/56. 0
قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان ، وأخلصوا العبادة ، فيمرون إلى الجنة ، قَالَ الله تعالى: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها ، ولا يرحم إلا عليها ،ولا يثيب إلا عليها ،فإن الواعظين بها كثير ، والعاملين بها قليل. وسئل موسى بن أعين عن قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} ،فقال: تنزهوا عن أشياء من الحلال ،مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم متقين.