[٧] ونتيجة لتطوّر الزراعة عند العرب رافق ذلك التطوّر الصناعي المتمثل بصناعة الجلود، والعطور، والأسلحة، والأعمال المتعلّقة بالصياغة والتعدين، حتى خُصّص للصاغة سوقاً في يثرب، وكذلك أعمال النجارة والحدادة وغيرها، فساهم ذلك في تطوير الزراعة بصناعة الآلات لها، وبتوفّر المواد الخام في أرض الجزيرة العربية: كالحديد، والنحاس، والفضة، والذهب، بالإضافة إلى الصناعات المتعلّقة بالنسيج والغزل، وكان من منتجاتها: الأقمشة، والبسط، والستور، والخيام. [٧] أحوال العالم بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام بعث الله -تعالى نبيّه محمّد -صلى الله عليه وسلم- برسالة الإسلام للبشريّة، وفيما يأتي بيان أحوال العالم بعد بعثته: أحوال العرب بعد البعثة: بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في العرب، وأوّل ما ابتدأ دعوته دعا قومه وعشيرته، وما أن توفّي -صلى الله عليه وسلم- حتى كانت العرب جميعها تدين بالإسلام، وانتهت عبادة الأوثان في الجزيرة العربية، وبقيت بعض القبائل تدين بالنصرانية، ومنهم من بقي على اليهودية، وقد أقرّهم النبي على أن يعطوا الجزية. [٨] أحوال الروم بعد البعثة: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يرسل للملوك يدعوهم إلى الإسلام، ومن الملوك الذين أرسل لهم النبي الدعوة للدخول في الإسلام؛ قيصر ملك الروم، فلمّا وصلته رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-، سأل أبا سفيان -وكان حينها مشركاً- عن النبي وعن نسبه وصدقه، ومن يتبعه ويؤمن به، فلما أُخبِر عن صدقه وأمانته وأنه من أرفع الناس نسباً، علم قيصر أنه يتّصف بصفات الأنبياء، وأن ما جاء به النبي هو الحق، لكنه لما قرأ رسالة النبي على قومه هاجوا وماجوا وكَثُر لغطهم، [٩] وقد كان قيصر يريد الإسلام لولا ما رآه من قومه، فيَئِس من إيمانهم، وآثر السلطة والحكم على الدخول في الإسلام.
[2] أسلَموا: انقادوا لحُكم ربِّهم، الرَّبانيون: عبَّاد اليهود، الأحبار: علماء اليهود. [3] انظر ابن تيمية: السياسة الشرعية 122، والبخاري 9/ 129، كتاب الاعتصام. [4] انظر حسب الله: أصول التشريع الإسلامي 95 - 97، وانظر كذلك: البرديسي: أصول الفقه 343 - 347.
[2] الهجرة ثم بايعة الأنصار على عبادة الله عز وجل، وبعد ذلك أذن الله تعالى بأمر هجرة الرسول ، وتمت الهجرة في ربيع الأول وكانت في السنة الثالثة عشر بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، وكان بصحبته أبو بكر رضي الله عنه وقد قاما بالاختباء في غار ثور لمدة 3 أيام. وفي تلك الأثناء كان المشركون يطاردونهم من جميع الأنحاء حتى أنهم كانوا واقفين أمام الغار، فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله والله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا)، فرد عليه الرسول قائلًا: (لا تحزن إن الله معنا ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، وعندما علم الأنصار بذلك ظلوا يخرجون يوميًا إلى حرة المدينة ليستقبلوا الرسول وأبا بكر إلى أن يشتد حر الظهيرة. ثم جاء اليوم الذي آتى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فقام الأنصار بإحاطته مُحتفلين به، وكان جميعهم يمسكون بزمام ناقة الرسول حتى ينزل عندهم فقال لهم رسول الله: (دعوها فإنها مأمورة حتى إذا أتت محل مسجده اليوم بركت)، ثم سكن الرسول صلى الله عليه وسلم بدار أبي أيوب الأنصاري، وقام بتشييد مسجده، وظلت حياة الرسول بهذا الوضع إلى أن أمر الله تعالى بالقتال مع من يقفون في وجه انتشار الدعوة، فقام الله تعالى بتأييد نبيه ونصره.
ثم قيض الله له الأنصار، فبايعوه على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يمنعوه إذا قدم عليهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، فأذن الله لرسوله بالهجرة إليهم. فهاجر في شهر ربيع الأول بعد ثلاث عشرة سنة من مبعثه، وكان بصحبته أبو بكر فاختفيا في غار ثور ثلاثة أيام والمشركون يطلبونهم من كل وجه، حتى كانوا يقفون على الغار الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، فيقول أبو بكر: يا رسول الله والله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تحزن إن الله معنا ما ظنك باثنين الله ثالثهما " رضي الله عنه-[البخاري (3453) مسلم (2381) الترمذي (3096) أحمد (1/4)]. فلما سمع بذلك الأنصار جعلوا يخرجون كل يوم إلى حرة المدينة يستقبلون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يردهم حر الظهيرة، فكان اليوم الذي قدم فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم هو أنور يوم وأشرفه، فاجتمعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محيطين به متقلدين سيوفهم، وخرج النساء والصبيان، وكل واحد يأخذ بزمام ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يريد أن يكون نزوله عنده، وهو يقول: " دعوها فإنها مأمورة ". بعثه النبي صلي الله عليه وسلم هي. حتى إذا أتت محل مسجده اليوم بركت، فيذكر أنه صلى الله عليه وسلم لم ينزل فقامت فسارت غير بعيد ثم رجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ثم تحللت ورزمت ووضعت جرانها، فنزل عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وسكن دار أبي أيوب الأنصاري، حتى بنى مسجده ومساكنه، ثم بعد ذلك أذن الله له بقتال أعدائه: ( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)[هود:19].