في البدء لابد من الاشارة الى ان هناك درجات متفاوتة وأوسمة إلهية يستحقها الانسان كنتيجة لعمله، ولعل اعظم ما يتشرف به على الاطلاق هو ذلك الوسام الذي بشر الله ـ سبحانه وتعالى ـ به عباده الذين استقاموا اذ يعطيهم درجة تخص الانبياء (عليهم السلام)، وميزتهم انهم يؤيدون بالوحي ويهتدون بعلم الله وينظرون بنوره ويمنحون درجة الامن في الحياة الدنيا، كما يمنحوها في الاخرة، كما تشير الاية في قوله تعالى (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). والاستقامة مرتبة من السمو تلي درجة الانبياء (عليهم السلام) كما في قوله سبحانه وتعالى (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون). وهذه الدرجة الرفيعة لا يصلها الا القليلون من الناس وما يؤيد ذلك القول الحديث النبوي الشريف: "الناس هالكون الا العالمون والعالمون هالكون الا العاملون والعاملون هالكون الا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم". فحتى الذين يخلصون لله في عملهم ويبلغوا ذلك المبلغ السامي في الاخلاص فهم ايضا على خطر عظيم لان ليس بوسعهم ان يعلموا عواقب امورهم. ومن الناس من انحرف قبيل وفاته فمات بعيدا عن الله وعن الجنة ولذلك كانت وصية الانبياء (عليهم السلام) لابنائهم متمثلة في قوله سبحانه وتعالى (فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون).
* ابتدأت السيدة زينب بنت أمير ال مؤمنين عليهما السلام خطبتها في مجلس يزيد، بأنْ عرّفت نفسها للحاضرين، وانتسبت إلى جدّها رسول الله سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالت: -( الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على جدّي سيّد المرسَلين) * ثمّ قالت: -(صدَق اللهُ سبحانه، كذلك يقول: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ﴾... ). (الروم:10) أي أن عاقبة الذين أساؤوا إلى نفوسهم -بالكفر بالله وتكذيب رُسله، وارتكاب معاصيه- السوأى، وهي عذاب النار. وبسبب تراكم الذنوب والمعاصي حصل منهم التكذيب بآيات الله، وظهر منهم الاستهزاء بها وبالمقدّسات الدينية. -( أظننتَ يا يزيد، حين أخذتَ علينا أقطارَ الأرضِ وضيّقْتَ علينا آفاقَ السماءِ، فأصبحنا لكَ في أسار، نُساقُ إليك سَوقاً في قطار، وأنت علينا ذو اقتِدار، أنّ بنا من الله هواناً، وعليكَ منه كرامةً وامتناناً)؟! أظننت أنّ لك عند الله جاهاً وكرامة لأنك غلبتنا وظفرت بنا، وقتلت رجالنا، وسبيت نساءنا؟! -( وظننتَ أنّ ذلك لِعِظَم خطَرك): أي: لعلوّ منزلتك؟ -( وجلالةِ قدرك): عند الله تعالى؟!