وقال فضيلته معاشر المسلمين: إذا كان ذلك كذلك فلا بد من الحرص والتحري في اختيار الصديق فا الإنسان محاسب على اختيار الصديق ، تأملوا قوله سبحانه في ندامة الظالم وفي الحديث:( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) أخرجه أحمد وابو داود. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) رواه الترمذي بسند حسن وفي الحديث: لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، والمرء مع من أحب ، وإذا أحب المسلم أخاه فليعلمه والمتحابون في الله يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله يقول عمر رضي الله عنه: ( عليك بإخوان الصدق ، فعش في أكنافهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعُدَّةً في البلاء). وأضاف أنه ينبغي أن يعلم أن الكمال عزيز ، ولكل جواد كبوة ، ولكل سائر عثرة ، فلا بد من غفران الزلات ، وإقالة العثرات ، ومن استرسل في العتاب فلن يبقى له صديق وإذا كان الصفح عن الزلات من أفضل خصال الرجال فأحق الناس بالتغاضي عن هفواتهم هم أخوانك الذين عرفت فيهم المودة ، والصدق ، والنصح ، ومن ابتغى صديقا من غير عيب بقي بلا صديق ، ومعاتبة الصديق خير من فقده ، أطع صديقك ، ولِنْ له ، ولا تسمعْ فيه قول حاسد ، وغدا يأتيك نعيه فكيف تبكيه ، وقد جفوته ، وقطعت وصله.
لكن إذا قصد المسلم بمخالطة أهل المعاصي ودعوتهم إلى طعامه ، أن يتألف قلوبهم ويستميلهم إليه ؛ لأجل دعوتهم ونصحهم ، فلا حرج في ذلك. وكذلك الحال في الإحسان إلى أهل المعاصي بالمال والطعام والمسكن ؛ بقصد دفع حاجتهم ، فهذا لا حرج فيه أيضاً ، ويؤجر عليه الشخص ، بل إن المسلم يجوز له أن يحسن إلى غير المسلم ، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: ( 129664) ، وجواب السؤال رقم: ( 3854) ، فإحسانه إلى أخيه المسلم ، ولو كان من أهل المعاصي من باب أولى. قال الخطابي رحمه الله – معلقاً على الحديث -: " هذا إنما جاء في طعام الدعوة دون طعام الحاجة ؛ وذلك أن الله سبحانه قال: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً) [الإنسان: 8] ، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً غير مؤمنين ولا أتقياء. اختر أصحابك. وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي ، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته ؛ فإن المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب " انتهى من " معالم السنن " (4/115). وقال المناوي رحمه الله: " ( ولا يأكل طعامك إلا تقي) لأن المطاعمة توجب الألفة ، وتؤدي إلى الخلطة ، بل هي أوثق عرى المداخلة ، ومخالطة غير التقي تخل بالدين ، وتوقع في الشبه والمحظورات ، فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار ؛ إذ لا تخلو عن فساد: إما بمتابعة في فعل ، أو مسامحة في إغضاء عن منكر ، فإن سلم من ذلك ، ولا يكاد ، فلا تخطئه فتنة الغير به ، وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان ؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أطعم المشركين ، وأعطى المؤلفة المئين بل يطعمه ولا يخالطه " انتهى من " فيض القدير " (6/404).
وفي هذه الأحاديث دليل على أن لهؤلاء العباد منازل شريفة عظيمة في الآخرة، ولا يلزم من ذلك أنْ يكونوا أفضل من الأنبياء، وإنما أُريد بذلك بيان فضلهم وشرفهم عند الله تعالى، كما قاله العلماء.
والذي ننشده في الشباب أن توجد كوادر مؤهلة معرفة وخبرة، فتجالس الشباب الفارغ وتحفزه إلى العمل الجاد في دينه ودنياه. والعلماء، بحمد الله، يقومون بدور كبير في النصح والإفادة والتشجيع وبذل المعارف، إلا أن الزهد عنهم غالب، فلا ترى من يرغب في مجالستهم فضلاً عن الاستفادة منهم، لعدم التشجيع على ذلك أولاً، وغفلة الناس عن خير ونفع الجليس الصالح ثانياً، ولو علموا أن أقل فوائد مجالسة العلماء أنه لا يشقى بهم جليسهم، لكان ذلك كافياً للحرص على مجالستهم والانتفاع بهم. والله ولي التوفيق. علامات أمراض القلوب وسبل علاجها. * «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي» لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.
فمن شقاء المرء أن يجالس أمثال هؤلاء الذين ليس في صحبتهم سوى الحسرة والندامة؛ لأنهم ربما أفسدوا عليه دينه وأخلاقه، حتى يخسر دنياه وآخرته، وذلك هو الخسران المبين، والغبن الفاحش يوم الدين، كما قال سبحانه: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّـالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يالَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ياوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ الذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ الشَّيْطَـانُ لِلإِنْسَـانِ خَذُولاً [الفرقان:27-29].
وما أوقع كثير من الناس في أمراض شتى وخاصة مرض القلب إلا بالمخالطة المجردة عن الاصطفاء. قال تعالى: «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه» قال ابن كثير رحمه الله: «أي لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم» وكما قيل: «فتوخ أن يكون خلطاؤك وذوو الاختصاص بك أهل التقوى». الثاني من أسباب مرض القلوب: التمني:، والناس فيه قسمان: الأول: قوم ركبوا بحر التمني وهو بحر لا ساحل له بحر يركبه المفاليس وأصحاب الخيالات الباطلة فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة وهذا التمني إما أن يتمنى للقدرة أو للضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو يتمنى النسوان والمردان، وصاحب الهمة العالية أمانيه هائمة حول العلم والإيمان والعمل الذي يفر به الى ربه. فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرور. ومن الأسباب أيضاً: التعلق بغير الله: وهو من أعظم مفسدات القلوب على الإطلاق، فمن تعلق بغير الله وكله الله الى ما تعلق به، وخذله، وفاته تحصيل المقصود من الله عز وجل فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. ولقد حكى الله سبحانه وتعالى العشق عن المشركين من قوم لوط وامرأة العزيز وكانت إذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صرف عنه ذلك.
الأمر بملازمة الأتقياء الأوفياء ومخالطتهم والحرص على دعوتهم في الولائم وغيرها. جواز الأكل من بيت الصديق. المراجع: بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، لسليم الهلالي، ط1، دار ابن الجوزي، الدمام، 1415هـ. تطريز رياض الصالحين، للشيخ فيصل المبارك، ط1، تحقيق: عبد العزيز بن عبد الله آل حمد، دار العاصمة، الرياض، 1423هـ. رياض الصالحين للنووي، ط1، تحقيق: ماهر ياسين الفحل، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، 1428هـ. رياض الصالحين، ط4، تحقيق: عصام هادي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية، دار الريان، بيروت، 1428هـ. نزهة المتقين شرح رياض الصالحين، لمجموعة من الباحثين، ط14، مؤسسة الرسالة، 1407هـ. عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم، للعظيم آبادي، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الثانية، 1415هـ. مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط و عادل مرشد، وآخرون، تحت إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، 1421هـ. سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت. سنن الترمذي، للإمام الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، الطبعة: الثانية، 1395 هـ - 1975م.