أثارت إقامة صلاة التراويح في ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك الأمريكية في أول رمضان الجاري ردود فعل مختلفة، بين مؤيد ومعارض ومتسائل عن جدوى هذه "الغزوة". ووفق صحف عربية صادرة اليوم الخميس، اختلف المسلمون قبل غيرهم على إقامة التراويح في تايم سكوير، في ظل ما يميز هذا الميدان نفسه من مؤثرات تتراوح بين الضجيج والصخب، فضلاً عن جدوى الصلاة في الشارع، على بعد خطوات من مساجد نيويورك الكثيرة. ما كل مرة تسلم الجرة في صحيفة "الشرق الأوسط"، قال حمد الماجد، إن منظمي صلاة التراويح في ساحة تايمز سكوير، سعوا حسب أقوالهم إلى التعريف بالإسلام في أمريكا، وفي غيرها من دول الغرب الأخرى. ويتساءل الكاتب، عن نجاح مثل هذه التظاهرة في تحقيق أهدافها المعلنة، في الظروف الحالية "فلو، لا سمح الله، حضر عدد من بلطجية اليمين المتشدد في تجمع تراويح تايمز سكوير، وتحرشوا بالمصلين، أو أحرق أحدهم مصحفاً، تخيلوا كيف سيكون المشهد كارثياً"، ويضيف "أخشى أن تتكرر التجربة بأي صورة وفي أي مدينة أو ولاية أخرى، فيحدث المحذور، وما كل مرة تسلم الجرة" بسبب حسابات ضيقة ونظرة قصيرة المدى لدى البعض.
صلاة التراويح فى «تايمز سكوير» صورة غربية برسم التسامح، وحرية الأديان، واحترام حرية المعتقد، درس من نيويورك يستوجب استيعابه، وتدبر معناه، ومراجعة كثير من المسلمات التى تشكل نظرتنا كمسلمين إلى الغرب. إذا حسنت النوايا، والرغبة فى العيش المشترك، مستوجب مراجعة كثير من المصطلحات العنصرية البغيضة الرائجة، وأخطرها مصطلح «الإسلاموفوبيا»، الذى شكل رؤية النخب الغربية فى مراكز صنع القرار الغربى تجاه المسلمين والعكس. المصطلح البغيض لوَّن العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامى، وحرفها بعيدًا عن فكرة الحوار الحضارى إلى الصدام الحضارى الذى بشَّر به كثير من الأدبيات الغربية، وتلتها كتابات مناهضة إسلامية. يمكن البناء على مثل هذه التفاصيل الصغيرة، وتعلية البناء التسامحى بعيدًا عن التعصب الأعمى، وهناك حوارات بنَّاءة ومجدية جارية الآن بين الأزهر، قبلة العالم الإسلامى السنى، والفاتيكان، قبلة العالم المسيحى الكاثوليكى، وبين مشيخة الأزهر وأسقفية كانتربرى، وعلى سبيل المثال الكنيسة الإنجيلية فى مصر تمد جسور الحوار المطرزة بالمحبة مع إخوتها المسلمين داخل وخارج الوطن. التراويح فى «تايمز سكوير» نقلة نوعية، ربما الأكثر تعبيرًا عن الحالة النفسانية الغربية تجاه الإسلام بعد فترة شك مخيفة أعقبت أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وكانت أيضًا فى نيويورك، يوم تفجير مركز التجارة العالمى أو «البرجين التوأمين».
المحاذير التي نخافها والأعراض الجانبية التي نخشاها هي من ردود فعل اليمين المتشدد ومدمني الإسلاموفوبيا وهواة حرق المصاحف والرسوم المسيئة، هذا التيار العنصري المتشدد يشهد صعوداً مخيفاً وتغلغلاً ممنهجاً في مفاصل الدول والإعلام والأحزاب السياسية والتعليم، ويزداد التعاطف معهم والانتماء لهم كلما زادت المظاهر الدينية التي يمارسها بعض المسلمين ولا يراها اليمين المتطرف ومن لفّ لفّهم إلا استفزازات متعمدة. فلو – لا سمح الله – حضر عدد من بلطجية اليمين المتشدد في تجمع تراويح «تايمز سكوير»، وتحرشوا بالمصلين، أو أحرق أحدهم مصحفاً، تخيلوا كيف سيكون المشهد كارثياً. وأنا لا أتحدث عن تراويح «تايمز سكوير» فحسب، فقد «عدّت على خير»، لكني أخشى أن تتكرر التجربة بأي صورة وفي أي مدينة أو ولاية أخرى، فيحدث المحذور، وما كل مرة تسلم الجرة. يقول منظمو تراويح «تايمز سكوير» والمتعاطفون معهم إن لديهم رخصة من السلطات المحلية، وفي تقديري هذا لا يكفي، فالرخصة النظامية لا تضع في الحسبان الأعراض الجانبية للتجمع ولا تأخذ في الاعتبار الوضع الحرج للأقليات المسلمة الذي أمسى يتلقى مزيداً من التضييق والاستفزاز في عدد من الدول الغربية.
في ساحة التايم سكوير بوسط نيويورك أقام المئات الصلاة في منظر نراه للمرة الأولى. وبعيداً عن الجدل الذي دار حولها، إلا أنها تكشف من ناحية أخرى عن زوال الحساسيات الدينية وتقبُّل الأديان المختلفة والتعبير عن نفسها حتى في وسط المدن الكبرى المكتظة. هذه روح العالم الجديد الذي نعيش فيه، حيث تختلط الأديان والأعراق والهويات في بلدان مختلفة، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بزوال الحساسيات الدينية القديمة وتبنّي القيم الإنسانية التي ترى الناس لا بألوان بشرتهم ولا عقائدهم، ولكن بقيمتهم وطبيعتهم الشخصية. أجمل المشاهد في عصرنا الراهن نراها في المطارات المزدحمة والمدن المتنوعة، حيث لا أحد عملياً يسأل عن خلفياتك الدينية والعرقية. لو رجعنا قبل قرون أو حتى عقود قليلة، لكنا عالقين وربما مشاركون في حروب دينية دموية لأننا فقط وُلدنا لعائلات بأديان ومذاهب مختلفة! لكن المشهد تغير ومضت البشرية في طريق العقلانية والتعايش بلا رجعة. ورغم أن المتطرفين ودعاة جماعة الإسلام السياسي رأوا في «صلاة تايم سكوير» مظهراً لاستعراض القوة والتمدد، فإن الدرس الذي نستمده منها مختلف، وهو أن ثقافة التعايش والتسامح والقبول هي أبرز ما يميز عصرنا الحالي، وهي التي سمحت لهذه المشاهد أن تحدث بسلام.
كما قال علي كامارا، أحد منظمي الحدث: "أنت تعمل مع هؤلاء الناس.. تأخذ القطار مع هؤلاء الناس.. كلنا واحد بالفعل". اقرأ أيضا: بالصور.. المساجد تستقبل ضيوف الرحمن في أول صلاة تراويح من رمضان
صاحب المبادرة الجزائري يكشف لـ "الشروق": كشف اليوتيوبر الجزائري المقيم في أمريكا "يسعد لقمان" حصريا لـ"الشروق"، تفاصيل تنظيم أول صلاة تراويح أقيمت في أشهر ساحة بمدينة نيويورك المسماة بـ "تايمز سكوار"، مزار نجوم السينما والفن والرياضة، حيث أكد أن الفكرة كانت مشتركة بين أستاذ رياضيات من باكستان يدعى اسكيو، ويسعد لقمان الذي اقترح الفكرة أسبوعا قبل حلول الشهر الفضيل، عبر صفحته بالأنستغرام، فكان التفاعل كبيرا ما شجعه على مواصلة الخطوات إلى أن نجح في تنظيم أول صلاة جماعة في ساحة مشهورة مثل تايمز سكوار. وقد اعتبر لقمان، الذي اشتهر بالألعاب الأكروباتية، سواء بالجزائر أم حتى بعد وصوله إلى أمريكا، أن المبادرة عادت بالنفع على الجالية المسلمة، خاصة من ناحية اطلاع الأمريكيين وباقي الجاليات غير المسلمة، على تفاصيل ديننا الحنيف. وأضاف أنه "بعدما اتصل بي الأستاذ اسكيو وهو داعية في نفس الوقت، عارضا عليّ فكرة الصلاة جماعة بالساحة الشهيرة التي يرتادها الملايين من الزوار شهريا، أعجبت بالفكرة كثيرا، لأنها ستساهم في التعريف أكثر بالإسلام ومبادئه الحميدة، وما كان أمامي سوى نشر إعلان عبر صفحتي المليونية لأدعو من يهمهم الأمر إلى المشاركة، وحقا كانت النتيجة مبهرة، إذ شارك أكثر من ألفي مصل من رجال ونساء، زيادة على الحضور المكثف للمارة الفضوليين، الذين أرادوا معرفة تفاصيل أخرى عن الإسلام، فكان ذلك"، يقول لقمان.