وقال محمد بن نصر المروزي: هو قولُ جمهور أهل الحديث. وذهبَ طائفةٌ منهم إلى أنَّ منْ تركَ شيئاً من أركان الإِسلام الخمسة عمداً أنَّه كافر بذلك، منهم: سعيد بن جبير ونافع والحكم، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفةٌ من أصحابه وهو قول ابنِ حبيبٍ من المالكية. وقد رُويَ عن عمر ضَرْبُ الجِزْيَةِ على من لم يَحُجَّ، وقال: ليسوا بمسلمين. بني الاسلام علي خمس شهاده ان لا. وعن ابن مسعود: أنَّ تارك الزَّكاة ليس بمسلم، وعن أحمد رواية: أنَّ تَرْكَ الصلاةِ والزكاةِ خاصَّةً كفرٌ دونَ الصيامِ والحجِّ. وقال ابن عيينة: المُرْجِئَةُ سَمّوا تَرْكَ الفرائضِ ذنباً بِمَنْزِلَةِ رُكوبِ المَحارم. وليس سواءً؛ لأنَّ ركوبَ المَحارمِ مُتَعَمِّداً من غير استحلالٍ مَعْصِيَّةٌ، وتَرْكَ الفرائضِ من غير جهلٍ ولا عذرٍ هو كفرٌ. وقد استدلَّ أحمد وإسحاق على كفرِ تاركِ الصَّلاةِ بكفر إبليسَ بترك السجودِ لآدمَ، وتركُ السُّجود لله أعظم. هذه الدعائم الخمسُ بعضُها مرتبطٌ ببعض، وقد روي أنَّه لا يُقبل بعضُها بدون بعض كما في "مسند الإمام أحمد" عن زياد بن نُعيم الحضرمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ فَرَضَهُنّ اللهُ في الإسلام، فمن أتى بثلاثٍ لم يُغنين عنه شيئاً حَتّى يأتِيَ بهنّ جميعاً: الصَّلاةُ، والزكاةُ، وصومُ رمضان، وحَجُّ البيتِ)) وهذا مرسل.
المسألة الثانية: الإسلام يكون بالالتزام بجميع الأركان الواردة في الحديث ، فمن التزم بها أصبح مسلمًا، ومن تركها جميعها أو بعضها، أي أنكرها فهو كافر، وقد حصل خلاف بين العلماء في تارك الصلاة واعتباره كافرًا، ولكن الأمر يتعلق بترك الصلاة وغيرها من الأركان اعتقادًا أم تكاسلًا، ومن هنا يأتي الخلاف بين العلماء في المسألة. المسألة الثالثة: وهي بنفي الألوهية والعبادة عن الأنداد والآلهة، وفي الوقت نفسه إثباتها، أما شهادة أن محمدًا رسول الله، فهي التصديق لما أخبر وأطاع وألزم. المسألة الرابعة: جاء في الحديث إقامة الصلاة ولم يأتٍ أداء الصلاة، أي فعلها تامة بما فيها من شروط وأركان والتزم بأوقاتها. شرح حديث بني الاسلام على خمس - حياتكَ. المسألة الخامسة: لم يذكر في الحديث فرض الجهاد مع أنه ذروة سنام الإسلام، وذلك لأنه يسقط على الكل إذا أداه البعض، أي أنه فرض كفاية، كما أن الجهاد لا يستمر لآخر الزمان، إذ إنه سينقطع عند نزول سيدنا عيسى عليه السلام. المسألة السادسة: يستنبط من الحديث قاعدة في الامتثال للدين، إذ تقدم ركائز الدين على توابعه، كالذي لا يقوم الليل حتى يتمكن من القيام لصلاة الفجر، فالأولى سنة والثانية فرض، ففي الحديث توضحت الأركان التي لها الأولوية على غيرها التي سُميت توابع.
الركن الرابع: صيام رمضان ، وهو موسم عظيم ، يصقل فيه المسلم إيمانه ، ويجدد فيه عهده مع الله ، وهو زاد إيماني قوي يشحذ همته ليواصل السير في درب الطاعة بعد رمضان ، ولصيام رمضان فضائل عدّة ، فقد تكفل الله سبحانه وتعالى لمن صامه إيمانا واحتسابا بغفران ما مضى من ذنوبه ، ، وحسبُك من فضله أن أجر صائمه غير محسوب بعدد. أما خامس هذه الأركان: فهو الحج إلى بيت الله الحرام ، ، وقد فرض في السنة التاسعة للهجرة ، يقول الله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} ( آل عمران: 97) ، وقد فرضه الله تعالى تزكية للنفوس ، وتربية لها على معاني العبودية والطاعة، فضلاً على أنه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب ، فقد جاء في الحديث: ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه) رواه البخاري و مسلم. وعلى هذه الأركان الخمسة ، قام صرح الإسلام العظيم ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لكل ما فيه رضاه ، وأن يصلح أحوالنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
{ وأن}: { الواو}: حرف عطف. { أن}: حرف توكيد ونصب ، تنصب المبتدأ وترفع الخبر. { محمداً}: اسمها منصوب وعلامة نصبه الفتحة. { رسول}: خبر إن مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف. وجملة ( أن محمداً رسول الله) تقدر بمصدر تقديره ( رسالة) تعرب إعـراب شهادة. { وإقام}: { الواو}: حرف عطف. شرح وترجمة حديث: بني الإسلام على خمس - موسوعة الأحاديث النبوية. { إقام}: معطوف على شهادة تعرب إعرابها ، وهي مضاف. { الصلاة}: مضاف إليه. { وإيتاء الزكاة}: تعرب إعراب وإقام الصلاة. { وحج البيت وصوم رمضان}: تعرب إعراب وإقام الصلاة. إلا أن { رمضان} علامة جره الفتحة فهو ممنوع من الصرف.
[1] الإصابة (2/ 347 رقم 4834)، أسد الغابة (3/ 240 رقم 3080)، السير (3/ 203)، تهذيب التهذيب (5/ 328 رقم 565). [2] شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 160 ح 16). [3] جامع العلوم والحكم (1/ 88). [4] فتح المبين لشرح الأربعين، للهيتمي (82). [5] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (58). [6] تفسير الثعالبي (2/ 294)، روح المعاني للألوسي (5/ 179). [7] رواه مسلم، كتاب الزكاة (7/ 56 ح 24). حَدِيثُ (بُنِي الإسلامُ عَلى خَمْسٍ) - YouTube. [8] انظر تفصيل ذلك في كتاب الفنون لابن عقيل الحنبلي رحمه الله (1/ 326) و(2/ 482).
قال ابن رجب: الظاهر أنَّه من تفسيرِهِ لحديث ابنِ عمرَ، وعطاء من جلَّةِ علماءِ الشام. وقال ابنُ مسعود: من لم يزكِّ، فلا صلاةَ له. بني الاسلام علي خمس للاطفال. ونفيُ القبولِ هنا لا يُراد به نفي الصِّحَّةِ، ولا وجوب الإعادة بتركه، وإنما يُراد بذلك انتفاء الرِّضا به، ومدح عامله، والثناء بذلك عليه في الملأ الأعلى، والمباهاة به للملائكة. فمن قام بهذه الأركان على وجهها، حصل له القبول بهذا المعنى، ومن قام ببعضها دُونَ بعضٍ، لم يحصل له ذلك، وإنْ كان لا يُعاقَبُ على ما أتى به منها عقوبةَ تاركه، بل تَبرَأُ به ذمته، وقد يُثابُ عليه أيضاً. ومن هنا يُعلَمُ أنَّ ارتكابَ بعضِ المحرماتِ التي يَنْقُصُ بها الإيمانُ تكونُ مانعةً من قَبول بعضِ الطاعات، ولو كان من بعض أركان الإسلام بهذا المعنى الذي ذكرناه، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ شرِبَ الخمرَ لم يقبل الله له صلاة أربعين يوما)) وقال: ((مَنْ أتى عرَّافاً فصدَّقه بما يقولُ، لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يوما)) وقال: ((أيُّما عَبْدٍ أبَقَ مِنْ مَوالِيه، لم تُقْبَلْ له صلاةٌ)). في حديث معاذ بنِ جبل: ((إنَّ رأسَ الأَمرِ الإسلامُ، وعمودهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سنامه الجهاد)). وذروةُ سنامه: أعلى شيء فيه، ولكنَّه ليس من دعائمه وأركانه التي بُني عليها، وذلك لوجهين: أحدهما: أنَّ الجهادَ فرضُ كفاية عند جمهورِ العلماء، ليس بفرضِ عينٍ، بخلاف هذه الأركان.