المبحث الثالث: وقتُ طوافِ الوداعِ: وقتُ طوافِ الوداعِ هو بعد فراغِ المرءِ مِنْ جميعِ أمورِه؛ ليكونَ آخِرَ عهدِه بالبيتِ، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/158)، ويُنظر: ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (1/687). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (3/116)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/509). حكم من ترك طواف الوداع - اللجنة الدائمة - طريق الإسلام. ، والحَنابِلَة ((المغني)) لابن قُدامة (3/403). الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ينفرنَّ أحدٌ حتى يكون آخِرُ عهدِه بالبيتِ)) رواه مسلم (1327) فرعٌ: حُكمُ الانشغالِ بعد طوافِ الوَداعِ يُغتَفَرُ له أن يشتَغِلَ بعد طوافِ الوداعِ بأسبابِ السَّفَرِ، كشراءِ الزَّادِ، وحَمْلِ الأمتعةِ، أو انتظارِ رُفقةٍ ونحو ذلك، ولا يُعيده، وهذا مذهَبُ الجُمْهورِ: المالكيَّة ((مواهب الجليل)) لحطاب الرعيني (4/197)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/492). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (8/253)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/117). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/512)، ويُنظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/486).
، ونُسِبَ إلى جُمهورِ الفُقهاءِ قال ابن رشد: (جمهورُ العلماءِ على أنَّ طوافَ الوداعِ يُجزِئُ عن طوافِ الإفاضةِ، إن لم يكن طاف طوافَ الإفاضةِ) ((بداية المجتهد)) (1/343). حكم طواف الوداع للمعتمر. ، واختارَه ابنُ باز قال ابن باز في جوابِه عن حُكْمِ جَمْعِ طوافِ الإفاضة مع طوافِ الوداع: (لا حَرَجَ في ذلك؛ لو أنَّ إنسانًا أخَّرَ طوافَ الإفاضة، فلمَّا عَزَمَ على السفر طاف عند سَفَرِه بعد ما رمى الجِمارَ وانتهى من كل شيءٍ، فإنَّ طوافَ الإفاضة يُجزِئُه عن طواف الوداع) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/332). وابنُ عُثيمين قال ابن عُثيمين: (وطوافُ الإفاضةِ مُجزئٌ عن طوافِ الوداعِ، إذا جعله الإنسانُ عند خروجه) ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عُثيمين)) (22/438). وذلك للآتي: أوَّلًا: أنَّ طَوافَ الوَداعِ ليس مقصودًا لِذَاتِه، بل ليكونَ آخِرَ عَهْدِه مِنَ البيتِ الطَّوافُ، وقد حصَلَ بطوافِ الإفاضةِ، فيكون مُجْزئًا عن طوافِ الوداعِ ((الشرح الكبير)) للشيخ الدردير و((حاشية الدسوقي)) (2/53)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/369، 370). ثانيًا: أنَّ ما شُرِعَ لتحيَّةِ المسجِدِ أجزأَ عنه الواجِبُ مِن جِنْسِه، كتحيَّةِ المسجِدِ بركعتينِ تُجْزِئُ عنهما المكتوبةُ ((المغني)) لابن قُدامة (3/404)، ((الذخيرة)) للقرافي (3/283).
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا. حكم تأخير طواف الافاضة مع الوداع - موقع المرجع. الجزائر في: ٢٩ من ذي القعدة ١٤٢٨ﻫ الموافق ﻟ: ٠٩ ديسمبر ٢٠٠٧م ( ١) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ طواف الوداع (١٧٥٥)، ومسلمٌ في «الحج» (١٣٢٨)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. ( ٢) أخرجه مسلمٌ في «الحجِّ» (١٣٢٧) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. ( ٣) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (٦٥٥٩)، والحاكم في «المستدرك» (١٤٤٧)، والبيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» (٧٢٥٥)، مِنْ حديثِ عمرو بنِ حزمٍ رضي الله عنه في الكتاب الذي كَتَبه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن. قال ابنُ عبد البرِّ في «التَّمهيد» (١٧/ ٣٣٨): «وهو كتابٌ مشهورٌ عند أهل السِّير، معروفٌ ما فيه عند أهل العلم معرفةً تستغني بشُهرتها عن الإسناد؛ لأنَّه أَشبهَ التَّواترَ في مجيئه، لتلقِّي النَّاسِ له بالقَبول والمعرفة»، وقال الحافظ في «التَّلخيص الحبير» (٤/ ٣٧): «وقد صحَّح الحديثَ بالكتاب المذكورِ جماعةٌ مِنَ الأئمَّة، لا مِنْ حيث الإسناد، بل مِنْ حيث الشُّهرة»، وقد ذَكَر له الزَّيلعيُّ في «نصب الرَّاية» (١/ ١٩٦ ـ ١٩٨) جملةً مِنَ الطُّرُق والشَّواهدِ يَثبُتُ الحديثُ بمجموعها.
[4] وبذلك وجب على الحجّاج في الحجّ أن يطوفوا طواف الوداع، وبالمقابل لم يرد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه طاف طواف الوداع بعد العمرة، ويشترط لمن أراد طواف الوداع عدّة شروط منها: [5] يُشترط على الحاج أن يكون من أهل الآفاق فليس على المكّي أو من نوى الإقامة بمكّة أن يطوف طواف الوداع. يُشترط الطّهارة من الحيض والنّفاس، ولا يجب على الحائض والنّفساء دمٌ بتركه. أن يكون طواف الوداع آخر عملٍ يقوم به في البيت الحرام. حكم طواف الوداع في الحج. طواف الإفاضة إنّ طواف الإفاضة تعني السّير والزّحف ومنه طواف الإفاضة يوم النّحر حيث يفيض الحاجّ من منى إلى مكّة فيطوف ويرجع، وقد سمّي بطواف الإفاضة لأنّه يأتي بعد إفاضة الحاج من منى إلى مكّة، وسمّي بطواف الزّيارة وطواف الصّدر وطواف الواجب، أمّا حكمه فهو ركنٌ من أركان الحجّ ولا يصحّ الحجّ بدونه، وقد أجمع أهل العلم على أنّه واجب، قال تعالى في كتابه الحكيم: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}. [6] ويُشترط به أن يكون بعد الوقوف بعرفة، فلو طاف الحاجذ قبل عرفة لما سقط عنه فرض الطّواف، وأفض وقتٍ له هو أوّل أيّام النّحر في أوّل النّهار بعد رمي الجمرات والنّحر والحلق وذلك من السّنة، وليس له آخر وقت ويجوز تأخيره، ولكن يجب القيام به قبل خروج ذي الحجّة، فلو خرج لزمه دم والله ورسوله أعلم.