ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب جعل التخلص إلى مناقب سليمان - عليه السلام - من جهة أنه من منن الله على داود - عليه السلام - ، فكانت قصة سليمان كالتكملة لقصة داود. و وهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب - YouTube. ولم يكن لحال سليمان - عليه السلام - شبه بحال محمد صلى الله عليه وسلم - ، فلذلك جزمنا بأن لم يكن ذكر قصته هنا مثالا لحال محمد - صلى الله عليه وسلم - وبأنها إتمام لما أنعم الله به على داود إذ أعطاه سليمان ابنا بهجة له في حياته وورث ملكه بعد مماته ، كما أنبأ عنه قوله تعالى ووهبنا لداود سليمان الآية. ولهذه النكتة لم تفتتح قصة سليمان بعبارة: واذكر ، كما افتتحت قصة داود ثم قصة أيوب ، والقصص بعدها مفصلها ومجملها غير أنها لم تخل من مواضع أسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الإرشاد. ومن حسن المناسبة لذكر موهبة سليمان أنه ولد لداود من المرأة التي عوتب داود لأجل استنزال زوجها أوريا عنها كما تقدم ، فكانت موهبة سليمان لداود منها مكرمة عظيمة هي أثر مغفرة الله لداود تلك المخالفة التي يقتضي قدره تجنبها وإن كانت مباحة ، وتحققه لتعقيب الأخبار عن المغفرة له بقوله وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب فقد رضي الله عنه فوهب له من تلك الزوجة نبيئا وملكا عظيما.
فقد سمّى سليمان (ع) استعراضه للخيل بالخير، ومع أنّه خير لكنه أخره عن ذكر ربّه – لا عن الصلاة حتى فات وقتها كما ادّعى بعضهم – ولذلك تاب واستغفر لأنّه اهتم بأمر آخر غير ذكر الله.. للّه درّ الأنبياء، حتى الأمر المستحبّ يستغفرون الله من تركه أو إغفاله ويتوبون من ذلك. ومن الملاحظ هنا أنّ الله سبحانه مَنَّ بنعمة أخرى على سليمان (ع)، وهو يعلم أنّه سيستخدمها في سبيله. فبعد أن تاب – مع أنّه لم يذنب – عوّضه بالريح بدلاً من الخيل كوسيلة للتنقل. وينبغي التوقف هنا عند مسألة مهمة تؤكد التطور النوعي في حركة الجهاد عند سليمان (ع). فمن جنود البشر إلى الطيور والوحوش والخيول، إلى الجن والعفاريت والشياطين إلى تسخير الرياح. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة ص - قوله تعالى ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب- الجزء رقم24. وفي تسخير الرياح وحركة الجن والطيور تقريب لفكرة حكم سليمان للأرض قاطبة أو سعيه لذلك على الأقل. وإن لم يكن هناك دليل أو أثر لذلك. ولكن سرعة الرياح تلفت الأنظار إلى حدّ تشبيهها بحركة الطائرات اليوم. وفي هذا القَطْع السريع بواسطة الريح للمسافات الشاسعة دليل على كثرة غزو سليمان (ع) لأعدائه، وعلى اهتمامه الدائم بإعلاء كلمة الله في الأرض. قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ... ) (سبأ/ 12).
الثالث: أنا لو حكمنا بعود الضمير في قوله حتى توارت إلى الشمس وحملنا اللفظ على أنه ترك صلاة العصر كان هذا منافيا لقوله: ( أحببت حب الخير عن ذكر ربي) فإن تلك المحبة لو كانت عن ذكر الله لما نسي الصلاة ولما ترك ذكر الله. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة ص - قوله تعالى ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب - الجزء رقم11. الرابع: أنه بتقدير أنه عليه السلام بقي مشغولا بتلك الخيل حتى غربت الشمس وفاتت صلاة العصر ، فكان ذلك ذنبا عظيما وجرما قويا ، فالأليق بهذه الحالة التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة ، فأما أن يقول على سبيل التهور والعظمة لإله العالم ورب العالمين ، ردوها علي ، بمثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقيب ذلك الجرم العظيم ، فهذا لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير ، فكيف يجوز إسناده إلى الرسول المطهر المكرم!. الخامس: أن القادر على تحريك الأفلاك والكواكب هو الله تعالى فكان يجب أن يقول ردها علي ولا يقول ردوها علي ، فإن قالوا: إنما ذكر صيغة الجمع للتنبيه على تعظيم المخاطب ، فنقول: قوله: ( ردوها) لفظ مشعر بأعظم أنواع الإهانة ، فكيف يليق بهذا اللفظ رعاية التعظيم ؟!. السادس: أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لكان ذلك مشاهدا لكل أهل الدنيا ، ولو كان الأمر كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وإظهاره ، وحيث لم يقل أحد ذلك علمنا فساده.
اكسب ثواب بنشر هذا التفسير
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) يقول تعالى مخبرا أنه وهب لداود سليمان ، أي: نبيا كما قال: ( وورث سليمان داود) أي: في النبوة وإلا فقد كان له بنون غيره ، فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر. وقوله: ( نعم العبد إنه أواب) ثناء على سليمان - عليه السلام - بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله - عز وجل -. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا مكحول قال: لما وهب الله لداود سليمان - عليه السلام - قال له: يا بني ما أحسن ؟ قال: سكينة الله وإيمان. قال: فما أقبح ؟ قال: كفر بعد إيمان. قال: فما أحلى ؟ قال: روح الله بين عباده. قال: فما أبرد ؟ قال: عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض. قالداود - عليه السلام -: فأنت نبي.